نقطة على الحرف- الحلقة 1153
الدينوصوريون
الأَربعاء 28 أَيَّــار 2014

 

          بين أَسوإِ ما يُصيب المجتمع: بروزُ مَن يَرُوحون فيه يدَّعون الفرادة، ويُـمَحْوِرُون حولهم كلَّ ما يجري، ويُضَخِّمون حجمَهم حتى تَغْلُبَ “أَنا”هُم على حديثهم جميعِهِ، ما يُثير غالباً نفورَ الآخرين منهم.

          غير أَنهم، بسلوكهم الكاريكاتوريّ هذا وادّعائهم الفارغ الـمَغرور، لا يَدرون كم هُم منقرضُون سريعاً لأَن الفرادة لا تكون في صياح “أَنا أَو لا أَحد”، ولا في إِلغاء الآخرين، ولا في مبدإِ “ليس في الجبَّة إِلا الله”، ولا في مقولة “سبحاني ما أَعظمَ شاني”.

الذين يدَّعون الفرادة، يجهلون أَنهم ليسوا فريدين كما يتوهَّـمون، وليس حجمهم دينوصُوريّاً كما يتصوَّرون، بل هم دينوصوراتٌ صغيرة آيلةٌ إِلى الانقراض غداً أَو بعد غد.

          يقود إِلى هذا الكلام أَنّ فلاّحاً في ﭘـاتاغونيا (الجنوب المشترك بين التشيلي والأَرجنتين) كان ينبش في أَرضه فوقعَ على عظامٍ تَبَيَّن أَنها لأَكبر دينوصور في التاريخ عاش على كوكب الأَرض، قدَّر باحثون أَرجنتينيون طولَه نحو40 متراً ووزنَه نحو 77 طناً أَي ما يعادل 14 فيلاً معاً، وعُلُوَّ جسمه نحو 20 متراً أَي ما يعادل مبنى من سبع طبقات، وأَعادوا وجودَه إِلى العصر الطبشوري أَي قبل نحو 66 مليون سنة.

          هذا الحيوان الضخم الفريد المنقرض منذ آلاف السنين، اكتشافٌ فريد يُظهِر علمياً أَحد أَكبر أَسرار الأَرض على كوكبنا.

          بعض السياسيين عندنا دينوصوريُّو التفكير: هُم الذين خطَّطوا، هُم الذين نفَّذوا، هُم الذين اقترحوا، هم الذين لولاهم لاخْتَرَب البلَد، هُم الفريدون الوحيدون من نوعهم، كأَنْ بهم ابتدأَ تاريخُ لبنان ومعهم ينتهي، وكأَنَّ إِنجازاتهم فريدةٌ نموذجية، وسواهم لم يُنجِزْ ولم يُحَقّق.

          ولكنهم – عاجلاً لا آجلاً – زائلون كالدينوصُور، مع فارق أَن الدينوصُور يفيد لتأْريخ تاريخ الإِنسانية ومسارها، بينما أُولئك السياسيون زائلون لن يبقى منهم أَيُّ أَثر في تأْريخ تاريخ لبنان. والوهجُ الذي ينالونه حالياً وهُم يتحركون على مسرح السياسة، لن يبقى منه ولا منهم أَيُّ أَثرٍ فورَ يغادرون المسرح وتنسدل الستارةُ عليهم وعلى ما ادَّعَوه من حجمٍ كبيرٍ ومن فرادة ٍوهمية.

          لن يبقى منهُم ما يدلُّ عليهم، لأَن الفرادة ليست في الحجم ولا في ما يقول الـمرءُ أَو يدّعي، بل في ما يرى الآخرون أَنه ترك بعده من الإِنجازات الرصينة.