إِذا كانت الهجرةُ ذاتَ غُصَّةٍ وحُزنٍ وكآبةٍ، تهجيراً أَو مُهاجرةً، فالـمُفارقةُ الـجميلة أَنّ هجرة الطُّيور ذاتُ بَهجةٍ وفَرَح.
“الـمُنظَّمة العالَـمية للسياحة” خصَّصَت يومَين (مطلعَ هذا الأُسبوع:10و11 الجاري) للاحتفال بــ”اليوم العالَـميّ للطُّيور الـمُهاجِرة” احتفلَت به 70 دولة على أَنه عنوان “السياحة المُستدامة ودورها في الحفاظ على أَحد جَمالات الطبيعة: الحراكُ المشهديّ الرائعُ لنحو خمسين ملياراً من العصافير المهاجرة على مدى فضاءات هجْرتها فوق أَراضي الكوكب“.
هذه الفضاءات فوق الدُّوَل حَـوَّلَتْها “الـمُنظَّمة” وُجُهاتٍ سياحيةً ذاتَ منفعةٍ مُـجْديةٍ بيئياً واقتصادياً واجتماعياً لصالح الغابات العذارى والسكّان المحليين والسيّاح الوافدين، ما ينعكس إِيجاباً على الـمَواقع وأَهاليها مردوداً سنوياً نحو مليار ونصف مليار دولار ونحو 9% من الناتج المحلي العام، وما يكرّس السياحة طاقةً مهمّة في التنمية المستدامة. لذا وجَّهَ الأَمين العام للأُمم المتحدة بان كي مون رسالة إِلى الجمعية العامة العشرين لـ”الـمُنظَّمة العالَـمية للسياحة” وفيها أَنّ “السياحة مَصدرٌ أَكيدٌ للثروة الوطنية ولمردود المشاريع والوظائف المحلية في كلّ دولة“.
وفي رسالة الأَمين العام المساعد والمدير التنفيذي لـ”برنامج الأُمم المتحدة البيئي” أَن “السياحة أَحدُ أَقدر عشرة قطاعات اقتصادية على المساهمة في بلوغ اقتصادٍ مستدامٍ أَخضر“.
هي هذه إِيقاعاتُ هجرة الطير السنوية من فضائه إِلى فضاءات العالم يطيرُ إِليها في رفُوف “منظّمة” جميلة تَعبُرُ فوق البلدان فترنو إِليها البلدانُ في فرح الـمُشاهدة والرحابة مصدراً فضائياً للسياحة الأَرضية.
سوى أَن هجرة أُخرى، أَرضيةً هذه الـمَرّة، مصدرُ حزن وأَسى بِـما تشهد البلدان من هجرة إِليها بين نازحين ولاجئين ومُهَجَّرين ومتسلِّـلين من معابرَ غيرِ شرعيةٍ على حدود الدُّوَل، وما ينتج عنها من تضَخُّم سكّاني أَو خلَل ديموغرافي أَو اضطراب اقتصادي، وما يَـجُـرُّ هذا من بُـؤْسٍ وفقْرٍ وجُوعٍ ومُـخيّماتٍ وخيام، وما يستتبع ذلك من مبادرات مَـحلية ودُوَلية تَنهض لها وتروح الحلُول تتباطأُ وتدور وتستدير وتنتقِل من عهدٍ إِلى عهدٍ ومن حكومةٍ إِلى حكومةٍ ومن منظمةٍ إِنسانيةٍ إِلى منظمةٍ دُوَلية، والخيامُ تتحوّل ملاجئَ ساكنيها، والـمُخيماتُ تَشهدُ تكاثُر أَطفالها، ويبقى المجتمع الدولي قاصراً عن أَن يكون “مُـجتمعاً” و”دولياً”.
هنا هجرةٌ بشريةٌ شائعة، وهناك هجرةٌ حيوانيةٌ رائعة، ويوجِعُ أَنّ الإِنسان الذي يَبتهج بِـمُـرور الطيور فوق أَرضِه عاجزٌ عن أَن يُـبْـهِـجَ أَخاه الإِنسان على أَرضه، كي تكون الهجرة البشرية مَصدرَ تفاعُلٍ بين الأَرض والأَرض، مثلما هجرةُ الطيور مصدرُ تفاعُلٍ بين الأَرض والفضاء يَـجعلُ الأَرضَ تَبْتَهِلُ إِلى خالقها وينحني لابتهالِـها الفضاء.