كلمة هنري زغيب في احتفال جامعة سيدة اللويزة
نَـجيئُهُ في الأَربعين على غيابه، نَلْقاهُ عند مُطَلّ الربيع كما في الأَربعين الأُولى قبل الغياب.
بعضُ الأَدب يَعْتَقُ حين يرحل صاحبُه. يُـمسي من الأَدب البارد.
هو: نَقرأُهُ اليومَ ونَستعذِب. في أَدبه من نَـبْض النضارة ما يُبْقي الرغيفَ طازجاً على مأْدبة الجمال.
***
نَـجيئُهُ في الأَربعين على غيابه، نَلْقاه حاضراً يَـحرُسُهم عند باب الهيكل، أُولئكَ الْــوَسَّـمَـهُـم تكريمَ حضورٍ أَوِ استذكارَ غياب، حتى لَـكانَ يُشتهى كلامُه فيهم كـأَثْـمَنَ ما يُتَمنَّى أَن يُقالَ في اذِّكار.
له المنبر، كان طلّةً تُرتَـجَى.
وله كان القلمُ عرساً يُنتَظَر.
الكلماتُ – بِصَوته ومن قلمه – عَرائسُ يُرْنَـى إِليهنَّ كما إِلى نُبُوءات العَرّافات.
ما قالَ مرةً في سِوًى إِلاّ وذَهَبَتْ قَولَتُهُ فيه رُقْيةَ الْتِماع، فَلَهُ على أَعلام عصره دالَّةُ قَطْرِ الندى على بَتَلاتِ الورد: نَقاؤُهُ يُـمَوسِمُ عطراً.
***
في الأَربعين على غيابه، نفتح اتّفاقاً مَنبَعاً بين أَوراقه فنُلفيه يَلْتمع مَرْمَراً صَقيلاً بإِزميله الصَّنَاع، فالأَدبُ معه مِتعةُ الكلمات تتقطَّر زَوغى ببهرجة الحَلاوات، نَذوقُ الْتماعَها اليومَ قمحاً لبيادر الـجَمَال، والأَدبُ -في نُسْغه الأَوّل- يُنبوعُ جَـمال، أَو فَهْو كَرنَـﭭَـالٌ بَـرّانـيٌّ قلبُه من خَشَب.
***
في الأَربعين على غيابه، تُشرِقُ أَجزاءُ مؤلَّفاته طَبعةً بعد طَبعة، لا خَـمرُ خوابيها يَكْسُدُ في الأَقبية، ولا يَكُفُّ قُرّاؤُها عنِ اطِّلابِ الغَوص فيها دهشةً لاكتشاف اليَواقيت.
علامتُهُ، أَديباً مُبْدعاً، أَنْ كَتَبَ بنبْضَتِه غَدَهُ البِكْر حتى إِذا جاء غَدُهُ كانت سَبَّاقة إِلى الفجر التالي.
لذا نقرأُ سُنُونُــوَّاتِه اليوم، كما منذ الأَربعين وما قبْلَها، وكُلَّ أَربعينَ آتيةٍ، فيَبقى جَديدَ أُسلوبٍ، ويظلُّ فصلَ ربيعٍ خامساً في ذاكرة الأَربعةِ الـمَواسم.
أَنْطُون قازان، في أَدبِـنا اللبنانِيّ، تَــوْقٌ دَائمٌ إِلى استِزادَة.