أزرار- الحلقة 843
لبنان كئيب؟!
السبت 10 أيار 2014

 

        في دراسةٍ نشَرَها “المركز الأَميركي الوطني للرقابة والوقاية من الأَمراض” أَنّ ٥،٤% من سكان العالم يعانون من الكآبة، ووضَع قائمةً بأَكثر الدول كآبةً في العالم حـلَّ بينها في المرتبة السادسة بعد الولايات المتحدة وأُكْرانيا وفرنسا وهولندا وكولومبيا، وجاء عن لبنان أَنه “دولةٌ صغيرة في الشرق الأَوسط تتأَثَّـر بأَوضاع المنطقة حتى أَن الأَزمة السورية زعزعت استقراره”.

          مع قناعتنا بالتبرير الذي خرجت به الدراسة لتصنيف لبنان “كئيباً” بين البلدان الكئيبة، وبهشاشة الوضع اللبناني أَمام زلازل محيطه العربي وما يستقطب هذا المحيط من انتماءات إليه في الداخل اللبناني، يوجعنا أن نجد وطننا في طليعة “البلدان الكئيبة”.

          لبنان كئيب؟!؟

          هذا البلد الذي أُعطي من المناخ أَلْطفَه، من الطبيعة أَجملَها، من التاريخ أَعرقَه، من الحضارة أَعلامَها، من الرسالة الإِنسانية عنوانَها، من الإِبداع عباقرتَه، كيف يكون في طليعة “البلدان الكئيبة”؟

          صحيحٌ أَن الطبيعة والمناخ والتاريخ والحضارة والرسالة والإِبداع عناصر لا تقيه الأَخطار الشرسة، لكن صموده أَمام الزلازل بات مثالاً ساطعاً في التاريخ.

          وصحيحٌ أَنّ الكآبة في بعض أَهله ناجمةٌ عن أَنه لا يكاد يرفع رأْسه تنفُّساً لفرحٍ وغبطةً بهناءة حتى تجتاحه حروبٌ وأَحداثٌ واضطراباتٌ تعيد رأْسه إِلى الإِغضاء سنواتٍ مالحةً مريرة، لكنّ هذا لا يعود إِلى أَهله الكئيبين بل إِلى من أَوصلوا أَهله أَن يكونوا كئيبين.

          إِذا تعرَّضت السفينة للغرق لا يلام ركّاب السفينة بل رُبّانها، ولبنان الذي يقع كلّ فترةٍ في فاجعةٍ أَمنية أَو سياسية، لا يُعزى وقوعُه إِلى أَهله بل إِلى ربابنةٍ تولّوا مسؤُولية قيادته رئاسياً وحكومياً ونيابياً فساسُوه إِلى حيث تقصيرُهم أَو إِهمالُهم أَو انتماؤُهم الخارجي أَدّى بالوطن إِلى التسبُّب لسكانه بما يعانون.

          ومن الطبيعي أَن يَفرَغ من خيرة شبّانه وأَركانه وأَعوانه حين يمرُّ من حرب إِلى حرب، ومن ضائقة إِلى ضائقة، ومن تفجيرٍ سياسيّ إِلى تفجيرٍ أَمني، ومن أَزمة حكومية إِلى أَزمة رئاسية، وجميعُها لا يُسبِّبها المواطن بل المسؤولون، ويدفعُ ضريبتَها القاسيةَ المواطن.

          ولولا إِهمال معظم القيادات السياسية أَو تغاضيها أَو تواطُؤِها أَو تآمُرِها أَو استزلامها للخارج، لَـما كانت الأَدمغة اللبنانية هاجرت إِلى العالم وشَعّت في الدُّنيا وبرَعَت في أَوطان الآخرين مناراتٍ من أَصلٍ لبناني، بل كانت بقيَت هنا تَجعل لبنانَ شُعلةً إِبداعيةً في كل حقلٍ، تُنير العالَـمَ كلَّه من نقطة على الخارطة صغيرةٍ بِـحجمها، كبيرةٍ بإِشعاعها القادر أَن يَبلغ أَقاصي الأَرض الواسعة انطلاقاً من الضئيلةِ أَرضِ لبنان.