تـترجّح الأَبنية الأَثرية أَو التراثية أَو التاريخية بين بيتٍ مأْهول أَو مهجور، ومبنىً ذي تاريخٍ أَو طبقةٍ منه ذاتِ علامة. فلا يمكن حفْظُ البيوت عاطفياً في وضْع عقاري يعاني تغييرات ديموغرافية وارتفاع أَسعار العقارات وضيق الجغرافيا السكنية. ولا يصُحُّ ترفُ الـمُحافظة على عددٍ كبير من الأَبنية القديمة لدافع رومنسي ثم ينهدم المبنى بعد سنوات بعوامل الطبيعة أَو بـحادثة طارئة.
لـحفْظ الـمعالِـم شروطٌ قانونية خاضعة لضوابطَ إِن لم تُرَاعَ في الأَمكنة والمباني الجديرة بالحفاظ عليها، وقعَت هذه في الإِهمال أَو الهدم وفقدان الذاكرة الثقافية والتاريخية والوطنية.
ما المطلوبُ؟ كما لقانون الملكية الفكرية معايـير، يجب سَـنُّ معايـير علْمية للتصنيف والتعريف مع تفسيرات وتبريرات تجعل الحفاظ على الأَثر إِرثاً للأَجيال الآتية، ووضع دراسات أَكاديمية معلَّلة ترتكز على مؤَشرات وتستند إِلى حالات مماثلة في العالم تَحفظ الأَماكن لقيمتها الإِنسانية أَو التراثية أَو الثقافية أَو التاريخية أَو الأثرية. عندئذٍ يتقرّر إِن كان هذا الـمَـعْـلَـم جديراً بالحفاظ عليه ووضْعه على لائِحة الـجَرد العام مثل معالـِمَ شبيهة ذات إِشارةٍ إلى حقبة معينة نابضة من تاريخ الوطن وتراثه الخالد.
لا يكفي أَن يكون “فلان” من الأَعلام “مـرّ” في هذا البيت للحفاظ عليه وعدم هدمه لأَي سبب أَو تبرير. قد يكفي عندئذٍ وضْعُ بلاطة حجرية أَو لافتة معدنية تشير إِلى أَن هذا الـ”فلان” عاش فترةً في هذا البيت أَو له فيه أَثَـر معين.
البيوتُ الجديرة بالإِنقاذ تكون قيمةً مضافةً للتراث الوطني لأَن فيها فصولاً حيةً نابضةً من سيرة الوطن البشرية أَو المادية، إنما يُفترَض أَن تكون للـمَعْلَم عواملُ تبريرية وخصائصُ ذات دلالة فيلحظ القانون تعويضاتٍ لساكني العقار أَو مبالغَ لاستملاكه وتحويلِه مشروعاً حيوياً ذا منفعة عامة تراثية أَو ثقافية يصبح بها صفحةً مضيئةً من الذاكرة الوطنية. تماماً كما “البيت الأَصفر” (أَو “بيت بركات”) لـهندستِه الـمعمارية الطليعية في عشرينات القرن الماضي ويجري حالياً ترميمه ليكون “ذاكرة بيروت” بكلّ ما تمثّله ذاكرة عاصمتنا من معالـم وأَعلام وعلامات.
المطلوب إِذاً خطةٌ ثلاثية لـوضْع: دراسة تأْطيرية بـمعايـيرها العلْمية أَو القانونية، إِجراءات عملية للتنفيذ (وضع اليد، الاستملاك، …)، آلية تطبيقيأزارة لتحويل الـمَـعْـلَـم مرفقاً ثقافياً.
الذاكرةُ المتروكة ارتجالاً عاطفياً للتنظير تَذوي مع ذُبول كلامها الكثير.
وحدها الذاكرة الـمُقونَـنَة علْمياً تحفظ للوطن تراثاً في بيوته العتيقة يَجعلها جديدةً دائِماً وتتجدّد باستمرار مع كل جيل جديد.