في سياق البحث عن مواردَ إِضافية لتغطية نفقات سلسلة الرتب والرواتب: اقتراحُ تـمديد سن التقاعد لتوفير رواتب التقاعد وتعويضات متقاعدين بلغوا 117 أَلف مقابل 25 أَلف سنة 1990، والعدد مرشح للازدياد بسبب العشوائية في إِدخال موظفين إِلى الـمَلاك ما جعلَ حجمَ الإنفاق على التقاعد وتعويض الصرف يقفز من 900 مليار ليرة (نهاية 2008) إلى 1900 مليار (نهاية 2013).
قبل أَيامٍ قرأْتُ دراسةً نشرَتْها وكالة “أَسُوشياتد ﭘـْـرِس” هو خلاصة مؤتمر عقدَتْه في بوسطن “جمعية الأَلزهِيْمِر الدولية”، ثَـبَّـتَـت نظرية “استعماله أَو فقدانه” في الإِشارة إِلى الذهن الذي يبقى واعياً بدوام تشغيله، فالعمل اليومي يُبقي الفرد ناشطاً جسدياً، متواصلاً اجتماعياً، ووقّاداً ذهنياً، ما يُبعدُ عنه خطر الأَلزهِيمر أَو أَي مرضٍ آخرَ شبيهٍ له كالخبَل أَو الخَرَف أَو الجنون.
وتُظهر الدراسة أَنّ كل سنة إِضافية من العمل اليومي تُـخفِّف 3% من خطر الإِصابة بالأَلزهِيمر الذي كشفت الإِحصاءات عن إِصابته 35 مليون فرد في العالم، بينهم 5 ملايين في الولايات المتحدة وحدها. وأَثبتت تلك الدراسة أَن مَن تقاعدوا في الخامسة والستين يخف عنهم خطر الإِصابة بمعدل 15% عمّن تقاعدوا في الستين، وأَن مَن مرت عشر سنوات على تقاعدهم أَصابَتْهم عوارض الخرف أَكثر مـمَّن هم بعد خمس سنوات على التقاعد، فخلُص الـمحلِّلون إِلى أَن للعمل تأْثيراً على بقاء الـمعرفة وتوهُّج الإِدراك. لهذا اقترحَت الدراسة أَن يظلّ الفرد يعمل ما يشاء بدون إِرغامه على التقاعد من الوظيفة أَو وقْف العمل في المهنة.
في الـمقابل ثمة بلدانٌ ذاتُ نسبة عالية من النقْص في فرص العمل تسعى إِلى تسبيق سن التقاعد كي تُوسِّع مساحة إِيجاد فُرَص عمل للعاطلين عن العمل من الشباب الـمتخرّجين أَو البالغين الذين لا يجدون وظائف شاغرةً لأَن شاغليها يتأَخّر تقاعُدُهم.
وبالعودة إِلى بلوغ سن التقاعد أَو تَجَاوُزه، تفتَح جامعاتٌ خاصة دوراتٍ كاملةً للمسنّين والمتقاعدين ينتسبون إِليها ويتابعون محاضراتٍ وأَنشطةً وندواتٍ ومناقشاتٍ فيظلّ شَوقُهم الثقافي والتعلُّمي وازعاً لهم كي يُــبقوا على ذهنهم حياً نابضاً ناشطاً، وكي يَشعروا أَنهم لا يزالون طلاّب معرفة وإِدراك طالما مداركُهم سليمة ومعرفتُهم نضرَة جاهزة للاقتبال.
هكذا يتّخذ تـمديد التقاعد أَبعاداً إِيجابيةً ذهنياً ونفسياً وعقلياً وجسدياً واجتماعياً وحتى مهنياً، كي لا يكون التقاعد، في حسابات البعض، نهايةَ مرحلةٍ ناشطةٍ من حياتهم وبدايةَ مرحلةٍ مترهِّلةٍ عقيمةٍ يمر عليها الوقت بطيئاً مُــرّاً يطُنُّ بالفراغ.
إِن العمل اليومي صقْل يوميّ وشحذٌ يوميّ ونشاطٌ يوميّ لا بُدّ منه كي يظلّ العقل واعياً بين اليوميّ واليوميّ فيمرَّ العمر حَدّ السنوات في امتلاءٍ ناشطٍ متواصلٍ وحيَويّ.