نقطة على الحرف- الحلقة 1146
بين الشَّارع والـمُشَرِّع
الأَربعاء 9 نيسان 2014

 

          فيما تترجَّح البلادُ هذه الأَيام بين انكباب الـمُشَرِّع وانصباب الشارع، بين لِـجانٍ مشترَكَةٍ نيابيةٍ تَجتمع لتَجِدَ حُلولاً ولِـجانٍ نقابيةٍ وشعبيةٍ تَجتمع لِـتواجِهَ الحلولَ بعِصيانٍ يرفُضُها إِن لم تكن تُؤَاتيها، أَتذَكَّر مَقولةً مفصليةً للكاتب الأَميركيّ مارك تْـوَيْـن سنة 1866 جاء فيها: “لا أَمانَ لحياةِ الإِنسان ولا لِـحُرِّيَّـتِـه ولا لِـمُمتلكاتِه، حين تكون إِحداها أَو جميعُها على طاولةِ النقاش بين الـمُشَرِّعين“.

          وها مشَرِّعو ساحة النّجمة، هذه الأَيام الأَخيرة من ولاية الرئاسة، يتناقشون في سلسلة رُتَبٍ ورواتِبَ تحت ضغط الاحتجاجات، وفي قانون إِيجاراتٍ صدَرَ أَعرجَ فأَثار اعوِجاجُه عاصفةَ احتجاجات.

          وكان ما كان من فقدان الأَمان.

          لم يَجِدِ الـمُشَرِّعونَ بعدُ إِيراداتٍ تغَطّي زيادةَ الرواتب، ولم يجِدِ الموظَّفون والمعلِّمون أَعذاراً لعدَم إِيجاد الإِيرادات.

          لم يَجِدِ الـمُشَرِّعونَ تبريراً كافياً لقانون الإِيجارات فوَجَد الـمالكُ أَنه بدون أَمان ووجَدَ الـمُستأْجرُ أَنه بدون أَمان.

          فكيف يُعطي القانونُ الأَمان وحيثيّاته تَفْتَقِدُ الأَمان؟

          كيف يَصدُرُ قانونُ إِيجاراتٍ لا يُراعي تداعياتِ صُدُورِه وتأْثيرَها على المستوى الاجتماعي؟

          وكيف يَصدُرُ قانونُ زيادة الرواتب حين لا يَجِدُ الـمُشَرِّعُ إِيراداتٍ للزيادة إِلاّ زيادةَ الضرائب وإِجراءاتٍ ماليةً ظالـمَةً مَـحدودي الدَّخل الـمحصوري الإِيراد الـمَقصوري الأُفُق؟

          إِنه فقدانُ الأَمان، بلغناهُ من تَراكُمِ الإِهمال والفَوضى والفسادِ وغياب الـمُراقبة منذ سنواتٍ وسنواتٍ حتى أَصبحَ الخطَرُ جبَلاً والحلُّ جبَلاً والنفاذُ جبَلاً، ولم يعُد في الإِمكان بلوغُ الجبل وكان يُمكِنُ بلوغُ تَلَّتِهِ الصغيرة واستدراكُ التراكُم في بداية تكَوُّنه.

          الـمُشَرِّعُ يَصرُخ: “لا إيرادات جديدة إلا بضرائب جديدة”.

          والشارع يَصرُخ: “لا نرضى بضرائبَ جديدةٍ تأْخذ منا أَكثر مما تعطينا الزيادات”.

          الـمُشَرِّعُ يَصرُخ: “من أَين نأْتي بِـما يُعَوِّض للخزينة زيادةَ الرواتب”؟

          والشارع يَصرُخ: “أَوقِفوا الهدْرَ في الـمرفَـإِ والـمَطار والرشْوةَ الفاحشةَ الفاسدةَ داخلَ مفاصلِ الدولة، تَقْتَصِدوا ما يُشكِّل تعويض الزيادةِ من دون إِرهاقِ خزينة الدولة”.

          هكذا يَدهمُ الوقتُ الأَيامَ الأَخيرة والـجلَساتِ الأَخيرة والحلولَ الأَخيرة.

          الـمُشَرِّعُ يَنْظُر، والشارعُ ينتَظِر، والـمُواطنُ يَــبْحثُ عن مصيرِهِ بين الشّارع والـمُشَرِّعُ.