أَبعد من مَنْحِ ميشال غزال – في متحف “ميم” – بادرتَه السنوية “جائزةَ السلام في لبنان” إِلى “جمعية فرح العطاء” على إِنجازاتها ومبادراتها الإِنسانية والاجتماعية،
وأَبرزُ من إِنشاء هذا اللبناني العصامي “مؤَسسةَ غزال للتعليم والأَبحاث والسلام في لبنان” لتقديم مِنَحٍ إِلى المتفوقين من التلامذة الثانويين والطلاب الجامعيين المتواضعي الإمكانات المادية،
يبرز إنشاؤُه، وهو خريج هارفرد في إدارة الأعمال، “المركز الأُوروبي للتفاوض وإدارة الأَزمات”، وعنه تصدر دراساتٌ في هذا الشأْن تتمّم ما كان بدأ به في كتابه الأول “إشرب حساءَك واسكُت” الصادر بالفرنسية سنة 1992 عن منشورات Seuil في باريس، وفيه يعادل حوار التفاوض الدبلوماسي الدولي وحوار التفاوض على إنشاء الأعمال والمؤسسات والحوار الذي يجب أن يقوم بين الأهل والأبناء.
في سياق هذين الحوار والتفاوض، وفي حديث إلى موقع “سيكولوجيا” الإِلكتروني سنة 2004، رأى ميشال غزال أن التفاوض ليس مجرد الجلوس حول طاولة حوار لمناقشة مسألة أو موضوع، بل محاولة يومية مستدامة لبلوغ حلول واتفاقات مع الآخرين والمحيط.
وجواباً عن سؤال” “هل يمكن أن يتوقف التفاوض عند عقدة أو خلاف”؟ أجاب: “المفاوض الناجح هو الذي يهيِّئ دوماً حلولاً بديلة ومادة جديدة لاستعادة الحوار وإعادة التفاوض”.
هكذا إذاً، ونحن حالياً وسط أجواء الحوار والتفاوض، نجد أنْ ليس ما ينقذ لبنان إلاّ الحوار، وهو يفترض وجود الفريقين المتقابلين فلا يتغيب فريق ولا يستنكف فريق ولا يَحرَد فريق.
الحوار هو المواجهة، والتفاوض هو المكاشفة، ومتى وضعَ أحد الفريقين شروطاً مسْبقة للحوار ومعايير مسْبقة للتفاوض، بَطُل الحوار أن يكون مجدياً، وبَطُلَ التفاوض أن يوصل إلى مبتغاه.
لا يمكن أن يكون حوار أو تفاوض بين غالب ومغلوب. بعد الحرب العالمية الأولى كانت الغلبة للقوة فقامت بعد الحرب العالمية الثانية منظمة الأمم المتحدة ووضعت شرعة حقوق الإنسان ولبنان عضو مؤسس فيها.
وطالما لبنان، كما يقول ميشال شيحا، فريد بين الدول باحتضانه تعددية طوائفية تجعل الحوار بين الأديان متواصلاً تحت هالة الإيمان بالله رب العالمين، وطالما تاريخ لبنان عريقٌ بالحضارات التي تعاقبت وتحاورت على أرضه، لا يجوز أن يكون مستحيلاً عليه إنجاحُ حوار بين أفرقاء السياسة، وتفاوضٍ بين أولي القرار، للخروج من النفق الذي زجَّه فيه الواقعُ الحديث، كي يظلَّ حقاً فريداً بين الدول، وكي يكون التعدُّدُ الطوائفي فيه مصدرَ غنىً روحي، والتعدُّدُ الثقافي فيه مصدر غنى حضاري، فما سوى هكذا يعوِّض لبنان عن ضآلة جغرافياه وديموغرافياه برحابة إِنسانه، وإبداع عقله الخلاق، وفرادة دوره الرسالي في محيطه والعالم.