المدينة الجامعية في مدينة كمبردج تلقَّت الصدمة في انفعال: قرارُ بلديّاتٍ بريطانيةٍ تحويرَ كتابة بعض الكلمات والأَسماء تسهيلاً لدخولها برامج في الكومـﭙـيوتر لا تقتبل كتاباتٍ ذاتَ حركاتٍ أَو روابطَ أَو فواصلَ بين الأَحرف، ما استوجبَ إِلغاءَها وتحويراً في كتابة أَصل الكلمات والأَسماء. وتنسحب هذه الظاهرة على عناوين البريد الإِلكتروني التي لا تَقبَل إِلا الأَحرف فقط دون روابط بينها.
هذه المسأَلة شغلت الوسط الأَكاديمي البريطاني الـمُحافظ على اللغة ركناً أَوَّل من التراث التاريخي ومن هوية دائمة تَهتَزُّ عند أَيّ تغيير في صورة اسمها أَو كتابته.
المسأَلة اللغوية ذاتها شغلت الأَوساط اللغوية الفرنسية في تأْنيث المنصب (وزيرَة، مُديرَة، …) طالما أَن الأَكاديميا الفرنسية لم تتّخذ قرارها بعدُ في هذا التغيير.
إِنها ظاهرةٌ لغويةٌ ليست لغويةً فقط بل هي في أَساس اللسان والهوية، والاستهانةُ بها استهانةٌ بتراث أَجيالٍ عريقٍ من الخطورة الفائقة إِطاحتُه بتَحويرٍ أَو تغييرٍ في الكتابة قد تنجم عنه اختلالاتٌ ذهنيةٌ وعقليةٌ خطيرةٌ بل قاتلة. فكيف نُقنع تلامذتنا بكتابة كلماتٍ صحيحةٍ لغوياً حين يقرأُونها مُـحَوَّرَةً أَو مختلفةً في إِعلانٍ أَو يافطةٍ أَو مُلصقٍ أَو عبارةٍ على جدارٍ أَو لافتةٍ على مدخل بلدةٍ أَو مدينة.
هذا ما وثَّقَتْه مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني فوحَّدَت كتابة أَسماء المدن والقرى والبلدات حتى تكون هي ذاتها في جميع الاستخدامات والاستعمالات فلا يكون إِشكالٌ في قراءة اسمٍ منها قد يؤَدّي إِلى بلدةٍ أُخرى بسبب التغيير في كتابة اسمها.
ينسحب هذا اللغط الحاصل، المؤْذي والمعيب، على ما نقرأُه حولنا من إِعلاناتٍ باللغة المحكية التي تَكتُب الكلمة كما يلفظُها البعض فتأْتي مؤْذيةً اللُّغةَ ومؤْذيةً العينَ ومؤْذيةً جيلاً كاملاً من قُـرّاء تعلّموها في شكلها الأَصلي الكامل الصحيح ويشاهدونَها مُـحَوَّرَةً مشوَّهَةً مُعيبة، كأَنْ تنقلب القاف في بعضها إِلى همزة لأَن كاتبَها يَلفُظ القاف همزة فيطيحُ حرفاً من اللغة كما يطيحُ فئة كبرى من لبنانيين يلفظون القاف قافاً أَو ربما همزةً لكنهم يكتبونها بالقاف على أَصلها الطبيعي.
هذا الإِهمال الاستسهالي ولَّد عندنا فوضى قاتلةً يجب فوراً تدارُكُ أَذاها على الكبار قبل الصغار ومدارسهم وقراءاتهم وكتاباتهم، لأَن الاستعمالات اللغوية المغلوطة ليست أَخطاءَ بل خطايا تُؤْذي جوهرَ اللغة، إِذاً جوهرَ اللسان، إِذاً جوهرَ العقل القائم أَصلاً على التفاهم المنطقيّ، وليس كاللغة الأُمّ معيار المنطق الآتي من خبرة أَجيالِ خَبِرَتْهُ وأَورثتْنا إِياه في شَكله الأَصفى.