في نهج الجامعات أَن تكونَ منبراً لأَبحاثٍ ودراساتٍ تُضيف إِلى المقعد الطالبيّ الجامعيّ بُعداً ثقافياً يوازي دور الجامعة التربويّ والتعليميّ، فيكونُ ذاك المنبر وهذا المقعد ثروةَ الجامعةِ الـمُتاحةَ للطلاّب.
في هذا السياق صدَر كتاب “تاريخ لبنان عبر العصور– مسائل واكتشافات” حجماً وسطاً في 344 صفحة، هو الثامن عشر في سلسلة “الذاكرة اللبنانية” التي تُصدرها دائرة المنشورات الجامعية لدى الجامعة الأَميركية للعلوم والتكنولوجيا.
الكتابُ أُضمومةُ المحاضرات التي أَلقاها على منبر الجامعة أَساتذةٌ ومؤَرِّخون هيّأَ لها وأَدارها الباحث الدكتور أَنطوان القسيس، وشارك فيها ثلاثةَ عشَرَ مُـحاضراً تناولوا تاريخ لبنان منذ سحيق العصور القديمة حتى الفترة المعاصرة.
مواضيعُ التاريخ القديم عالجها الدكتور شاكر الغضبان عن ابن الهرمل الملك دانال حكيم الشرق القديم، والدكتور أَنطوان القسيس عن تاريخ لبنان القديم بين التاريخ والجغرافيا، والدكتور مروان أَبي فاضل عن كيفيةِ قراءةِ العربِ تاريخَ الكنعانيين الفينيقيين.
من التاريخ الوسيط عالج الدكتور الياس القطَّار المجتمع اللبناني إِبان حُكْم الفرنج، الدكتور أَحمد حطيط كتب عن الأَقلِّيّات اللبنانية والسَّلْطَنة المملوكية، الدكتور أَنيس شعيا عاين آثارَ لبنان في العصر الوسيط مرُكَزِّاً على الحصون نموذجاً، والدكتور ﭘـيار مكرزل عاين كنائس اللاتين في بيروت وصيدا إِبّان الحُكْم الصليبي.
تاريخ لبنان الحديث عالجه الدكتور علي شعَيب في محاضرته عن لبنان في ظِلّ الإِمارتين المعنية والشهابية، الدكتور عبدالله الملاّح كشَفَ مغالطاتٍ تاريخيةً في زمن المتصرفية، الدكتور منذر محمود جابر فتحَ صفحةً في الإِدارة اللبنانية عشيّةَ الاستقلال من خلال بطاقات شفيق الحلبي، والدكتور جورج طراد تناول حِرَفاً قديمةً صَنَعَت مجد لبنان.
ختام المحاضرات في الكتاب مسائلُ في تاريخ لبنان المعاصر مع الدكتور أَنطوان الحكَيِّم عن لبنان بين الحربين العالميتين، والدكتور عبدالرؤوف سنّو عن التعايش المأْزوم في لبنان بين الميثاق الوطني سنة 1943 وتجديدِه في اتفاق الطائف سنة 1989 وصدور اتفاق الدوحة سنة 2008 وتداعياته حتى سنة 2011.
وكان لافتاً، في مقدِّمة الكتاب، ذِكْرُ مدير السلسلة الدكتور أَنطوان القسيس أَنْ “ليس كُلُّ ما كُتِب أَجاب عن التساؤلات حول تاريخ لبنان. من هنا جُهد محاضري هذه السلسلة بتركيز أَبحاثهم على فهمٍ أَعمقَ لـمراحل تاريخ لبنان، مع السعي إِلى إِبراز مغالطِ بعض المؤَرخين والاقتراب من الحقائق العلمية بِتَجَنُّب الوقوع في أَنماطٍ إِيديولوجيةٍ عادةً ما تسيطر على حركة التأْريخ في لبنان. ذلك أَنّ المغالطات، مهما طالَت، ستَجِدُ يوماً مَن يكتَشِفُها ويكشِفُ عنها ويعيدُها إِلى مواقِعِها الأَساسية”.
هذه البادرةُ من المحاضرين في هذا الكتاب، هي عنوانُ دَور الجامعة، كُلّ جامعة، في كشْف ينابيع الثقافة الواسعة، تَرادُفاً مع توجيه المدَرِّس في قاعة الصف، وإِشارته إِلى منابع التعلُّم في ثَبْت المصادر والمراجع وسائر الطُرُق الأَكاديمية المؤَدّية إِلى الغنى الـمَعرفِـيّ.