اليوم أَوّل آذار شهر المرأَة
منذ بَدْء الخليقة وهي حاضرةٌ سِرّاً ولُغزاً وسؤَالاً.
وبهذا الثالوث الحيّ دخلَت روائع الآداب والفنون رمزاً إِليه يُــتَاق.
قد تكون “موناليزا” داﭬــنتشي، بعد 500 سنة على ولادتها، إِحدى أَشهر اللوحات في العالم وأَكثرها لُغزاً بتلك الابتسامة التي تستثير الباحثين ومؤَرّخي الفن والنقّاد: أَهي بسمةُ حزن أَم بسمةُ رضى؟ بسمةُ فرحٍ أَم بسمةُ ألَـم؟ بسمةُ سؤَال أَم بسمةُ جواب؟
عن وكالة “فرانس ﭘـْــرِس”، مطلع هذا الأُسبوع، أَنّ الباحث التشكيلي والكاتب الأَميركي وليم ﭬـارﭬِـل، صاحب كتاب “أَسرار الموناليزا – السيّدة تنطق” أَمضى 12 سنة يدرس ليوناردو داﭬـنتشي وخرجَ بتنظيرةِ أَنّ اللوحة “رمز النضال النسائي والدفاع عن حقوق المرأَة عبر العصور”. وفي تحليله مفاصلَ اللوحة أَخرجَ منها 40 رمزاً مطابقاً 21 آيةً من الفصل 14 لـسِفْر زكريا الذي تنبَّأَ بـولادة “أُورشليم الجديدة”. أَما ابتسامة الجوكوندا، في تحليله، فأَنّ “السيدة تعرف سِرّ أُورشليم الجديدة”.
أَن نوافق ﭬـارﭬِـل على تنظيره أَو نخالفَه، ليس هو الـموضوع.
المحور الأَساس قوّةُ المرأَة بـحُضورها وشخصيّتها ودورها الحي في الحياة اليومية: أُمّاً عادية تخبز أَرغفة لأَولادها على التنُّور، رائدةَ فضاءٍ تخترقُ الجغرافيا والتاريخ، عالـمةً تَخدُم الإِنسانية باكتشافاتها، أَو بـحضورها رمزاً في الآداب والفنون، كــ”ماريان” رمز الثورة الفرنسية وأَصبحت رمز فرنسا والجمهورية في المطلق، أَو “عشتروت” رمز المرأَة العاشقة، أَو “بُثَينة” رمز الحبيبة المستحيلة، أَو “وحيد” رمز المغنّية الساحرة، أَو كلّ امرأَةٍ في تاريخ الآداب والفنون دخلَت لوحةَ رسّام أَو تمثالَ نحّات أَو شخصيةَ روائيّ أَو قصيدةَ شاعر، وكان دخولُها دائماً مُحاطاً بهالةٍ قُدسيَّة، ما يدعو دوماً إِلى الارتقاء بهالة المرأَة ورمزيّتها السامية، عوضَ السقوط في تَـتْــفـيـهها وتعذيبها وتعنيفها عائلياً أَو اجتماعياً وتسليع جسدها تجارياً.
المرأَة التي كانت هكذا عبر العصور ذاتَ هالة سامية رائعة، لا يَجوز في عصرنا الحديث أَن تفقد مكانتَها وهالتَها وأُنوثتَها القدسية التي اكتسبَتْها وجعلَت لها دوراً رائداً في كلّ عصر ومكان، حاضرةً في قوة الاعتراف بدورها الأَوّل والرئيس.
منذ بدء الخليقة وهي حاضرةٌ سِرّاً ولُغزاً وبهاءَ سؤَال.
بهذا الثالوث دخلَت روائع الآداب والفنون رمزاً يفوق جميع الرُّموز.
وسيبقى على مرّ الزمان مبهوراً أَمامها بعينَين واسعتَيْن مِن وَلَهٍ كلّما استلّ رسامٌ ريشتَه، وامتشَقَ نحاتٌ إِزميلَه، وعانقَ موسيقيٌّ آلتَه، وكلّما نادى “يا حبيبتي” شاعرٌ عاشِقٌ صِدِّيق.
وسوف تبقى هالتُها عبر العصور أَعمقَ لُغزٍ وأَبعدَ سِرٍّ وأَجملَ رمزٍ وأَبهى سؤال.