في طبعةٍ أَنيقةٍ تَليقُ بالـمَضمون أَصدَر فيصل أَبو عزّالدين كتاب “مذكِّرات أَرزة – ماضٍ من التصحير، مستقبلٌ من التشجير” بالإِنكليزية في 176صفحة حجماً موسوعياً كبيراً، حاملاً مع النُّصوص صُوَراً جميلةً توثيقيةً طرَّزَت إِخراج الكتاب عن “محمية الشوف المحيط الحيوي” والـمُؤَلّف مستشارُها البيئي وتُسهمُ في دعمها التعاونيةُ التابعة لوزارة الخارجية الإِيطالية.
في أَربعة فصولٍ رسم المؤلف مذكِّرات الأَرزة مُصَدِّراً إِياها بمقدّمة افتتحها بأَنَّ “ أَرز لبنان لو حكى لَرَوى حكايةَ طمعٍ وجهلٍ ترقى إِلى ملحمة غلغامش قبل خمسة آلاف سنة يوم غلغامش، انتقاماً من هومبابا، أَمَرَ بقطْع أَرز لبنان واقتلاع جذوره لبناء القصور والبوابات في عاصمته أُوروك“، وصولاً إِلى نداء المؤَلّف للحفاظ على ثروة الأَرز المهدَّد بالانقراض.
الفصل الأَول لـمحةٌ عن شجرة الأَرز انطلاقاً من مقولة الكاتب السكوتلندي ديفيد أُوركوهارت: “في أَيّ مكان من الكوكب زَرَع الإِنسانُ الأَرض إِلاّ في لبنان فهو صنَعَها”. ويتقصّى المؤَلف أَصل اسم الأَرزة وهي أَفضلُ أَنواع هذه الشجرة التاريخية الدهرية حارسةِ قِمَم لبنان منذ أَوّل العصور، وتعيش طويلاً حتى أَنّ متحف الجامعة الأَميركية في بيروت يضم جذْعَ أَرزة يرجَّح عمرُها 7760 سنة. وتوقَّف المؤَلف عند رمزيّة الأَرز في أَسفار الملوك وإِشعيا وحزقيال والمزامير وإِرميا بنحو 75 مرة في أَسفار الكتاب المقدَّس، وفي كتابات علمانية كعبارة لامرتين: ” أَرزُ لبنان أَشهرُ مَعْلَمٍ طبيعيّ في الكون، مَجَّدَتْه الدياناتُ والقصائدُ ومعارجُ التاريخ“. وبلغَت قمةُ رمزية الأَرزة أَنْ سكنَتْ قلبَ العلم اللبناني.
في الفصل الثاني يعدِّدُ المؤَلف مآسي اجتاحت كنوزَ غابات الأَرز في لبنان منذ السومريين وملحمة غلغامش مروراً بالمصريين والفينيقيين والأَشوريين والبابليين وسليمان وبنائه هيكله، والفُرس والإسكندر المقدوني، والرومان وأَمبراطوهم أدريانوس، والأُمويين والعباسيين والصليبيين والمماليك وصولاً إِلى العثمانيين، وجميعُهم تَجَنَّوا على أَرز لبنان قَطْعاً وبَتْراً وإِحراقاً.
وخَصّص المؤَلف الفصل الثالث لأَخبار رحّالة زاروا غابات الأَرز ومعظمُهم أَميركيون وبريطانيون وفرنسيون وأَلْـمان، عدَّدَهم بالتفصيل منذ القرن السادس عشر (مع مجيء العثمانيين) حتى القرن الحادي والعشرين.
وترك المؤَلف للفصل الرابع رسْم سياسات الحفاظ على الأَرز الذي يُهدِّده الإِهمال، ويرُكِّز على “محمية الشوف المحيط الحيوي” التي نشأَت في تموز1997، وسْطَ منطقة الشوف التي تغطّي مساحة 16 أَلف هكتار }ما يعادل 2% من مساحة لبنان{، وتعلو بين 1200 و1800 متر عن البحر، جامعةً جَبَلَي الباروك ونيحا، مُشْرفةً على المتوسط، وساكنةً بين طريق الشام شمالاً وجزين جنوباً في حيّز جغرافي نادر.
ويختُم المؤَلّف كتابه بأَن “مَـحميّة الشوف”، بالعناية التي تَلْقاها منذ إِنشائها، واحةٌ مثاليةٌ للتنمية المستدامة والحفاظ على الطبيعة والعناية بتحسين جذب سياحي يَنقُل لبنان من ماضٍ غارقٍ في التصحير إِلى مستقبلٍ طالعٍ من التشجير. لعلّ ذلك ينسحب على واحاتٍ أُخرى من لبنان حتى يصبحَ كلُّه محميةً طبيعيةً فريدةً في العالم.
ولن يكون ذلك جديداً على لبنان.