جمهورية كازاخسْتان من شمالي آسيا الوسطى تأْتي في سياق بلدان أُخرى تحمل في أَسمائها لاحقة “سْتانْ” كأَفغانسْتان وﭘـاكسْتان وتركمِنِسْتان وأُوزبكسْتان وكيرغيزيسْتان وطاجكسْتان.
وفي بادرةٍ قد تبدو غريبةً جمعَ رئيس جمهورية كازاخسْتان نور سلطان نِـزاربايـيڤ نفَراً من المفكرين والمثقَّفين في بلاده واقترح عليهم تغييرَ اسم البلاد لأَنّ لاحقة “سْتان” في اسمها ينفّر السياح ويبعد المستثمرين. وكان نزاربايـيڤ (يتولى الرئاسة منذ1991بعد استقلال كازاخسْتان عن الاتحاد السوﭬـياتي)، نَقَل العاصمة سنة 1997من مدينة آلْـماتي إِلى مدينة أَكمولا وغيَّرَ اسمَها إِلى آسْـتانا، منوِّهاً بأَن منغوليا ذات المليونَي نسمة تستقطب اهتماماً دُوَلياً وليس في اسمها لاحقة “سْـتان” مع أَنّ بلادَه شاسعةُ المساحة (خمس مرات أَكبر من فرنسا) غنيَّةٌ بالـموارد وتعُدُّ 17 مليون نسمة، واقترح استبدالَ اسمِها كازاخستان باسم “كازاخ إِلِـي” أي “بلاد الكازاخ” (الكازاخ شعب قبائل أَصلُها أَتراك منغوليون).
ظاهرةٌ تَبدو مستعصيةً أَو أُوتوﭘـية لكنها في عمقها ترقى إِلى معتقداتٍ شعبيةٍ بأَنّ الاسمَ ذو دلالة على حاملِه، وقد يكون هو نفسُه فأْلَ سَعدٍ أَو فأْلَ شُؤْمٍ، كما يعطى الطفل اسمَه فيكون شُؤْماً عليه أَو سَعداً وفْقَما يعطى اسمَ قديس أَو ولِـيٍّ أَو نبيٍّ أَو طيرٍ أَو حيوانٍ أَو نباتٍ، على أَمل أَن يحمِلَ اسمَه فلا يكونَ اسمُه ثِـقَلاً عليه.
من هذه الظاهرة اتِّعاظٌ بينَ ما حدَث في كازاخستان وما يَحدُثُ في لبنان.
هناكَ: بلادٌ تَبحث عن جذْب السيّاح والمستثمرين ولو اضطُرَّت إِلى تغيير اسمِها بعد تغيير عاصمتِها واسمِ العاصمة، وهنا: بلادٌ عريقةٌ في التاريخ، ساحرةٌ في الطبيعة، غنيَّةٌ بالـمَعالم والأَعلام، مغْريةٌ الـمُستثمرين باقتصادِها الحُرّ ونِظامها النقديّ، ومع ذلك تَبرُزُ فيها عواملُ ومعالـمُ وأَعمالٌ تُنَفِّرُ الـمُستثمرين وتُرعِبُ السيَّاح وتُهجِّر أَبناءَها إِلى بلدان بَعيدةٍ ومَديدة.
فهل علينا أَن نُغَيِّر اسمَ بلادِنا حتى نرفَعَ الشُّؤْمَ عنها فنستعيدَ السيّاح والـمُستثمرين وأَبناءنا الـمُهاجرين؟
هناك: في كازاخستان مسؤولون يَبحثُون عن موارد، وهنا: في لبنان نَفَرٌ من السياسيين يُنَفِّرون الـمَوارد.
هناك بلادٌ شاسعة من 17 مليون نسمة تَبحث عن مَخارج، وعندنا بلادٌ من 4 ملايين تُسَبّبُ حفنةٌ من سياسييها سَدَّ الـمَداخل.
طبعاً ليس الحلُّ في تغيير اسمِ لبنان ونحنُ نباهي به العالَمَ لِـحُجَجٍ عِدَّة، بل الحَلُّ في تغيير عقلية مسؤُولين غيرِ مهتمين لأَهمية لبنان التاريخية والسياحية والثقافية والتراثية والأَثرية والطبيعية، أَو هم واعُونَها لكنهم واعُون مصالحَهم الخاصة أَو الشخصية أَو الانتمائية، ولو بتدمير مَواردِ لبنان وتُراث لبنان وفَرادة لبنان بين دُوَل الجوار والمحيط وهذه البقعة من العالم.
إِن وطناً يَبحث عن تغيير اسمه كي يتغَيَّر فَأْلُه، وطنٌ تنقصُه الـمواردُ الجاذبة.
ونحن وطنٌ غنيٌ بأَفضل الـموارد الجاذبة لكنه يبحث عن تغيير عقليّةٍ سياسيةٍ جاحدةٍ يَجب أَن تَهجُر أَو تُهَجَّرَ كي تَظَلَّ لبلادِنا نقاوتُها الطبيعية والبشَريةُ الخلاّقةُ التي كانت على مَــرّ التاريخ ضَوْءاً ساطعاً مُشِعّاً على فُصول التاريخ.