أَزرار- الحلقة 829
هــويَّــةُ الحَــجَــر
السبت أوّل شباط 2014

Nablus

        في غفلةِ الليل تَسَلَّلوا إِلى قصر طوقان في نابلس وسَلَخُوا عن هامة بوّابته الـمُقَـوَّسة نقْشاً حجَرياً أَثرياً من القرن الثامن عشر لم يُتْلِفْهُ قصفُ الوحشية الإِسرائيلية فاقتلَعَه وطاويطُها، وتَشَوَّه وجهُ قصرٍ هو أَضخم القُصور التراثية في نابلس التي تنشَط فيها سرقةُ الحجارة المزخرفة والتراثيات وأَشجار الزيتون الرومي القديم يبني بها الإِسرائيليون مستوطنات ليُـثَــبِّــتوا بأَنهم أَصحاب الأَرض والحقوق.

          نابلس العريقة في التاريخ كانت ذات 1200 مَعْلَمٍ أَثريّ في 266 موقعاً تعرَّضَت للنهب والتهريب إِلى القدس أَو خارجها بحماية سلطة الاحتلال. ومنذ 1967 كثرَت سرقة الآثار نبشاً وتنقيباً بطرق غير قانونية أَدّت إِلى زيادة الطلب على القطع الأَثرية وضياع ملايين نادرة منها بمعدل 100 أَلف قطعة سنوياً، وكان التدمير يلحق بالمواقع بعد سرقتها. وبعد 1967 صادرت إِسرائيل متحف فلسطين (“روكفِلِر”) في القدس الشرقية، أَقدم متحف في الشرق الأَوسط يضم آلافَ قطعٍ أَثرية اكتُشِفَت في حفريات فلسطين خلال الانتداب البريطاني.

          هوذا جُزء حيٌّ من الهوية الثقافية يضيع فتضيع معه تنميةٌ سياحيةٌ ثقافيةٌ تدأَبُ إِسرائيل على محو معالمها بتغيير طابعها الديني والتاريخي عبر تنقيبات مُدُنيّة وشَقّ أَنفاق جديدة وادِّعاء معلومات مضلَّلة كاذبة عن المدينة التي شقَّقَتْها السرقة ودمّر الاحتلالُ مواقعها الأَثرية مستخدماً إِياها  لأَغراض الاستيطان.

          ليس جديداً علينا إِقدامُ هذا العدو التاريخي على تشويه التاريخ. فيوم اجتاحَ جنوبَ لبنان سنة 1982 وبلغ صور، راحت آلة اغتصابه العسكرية تجتاح أَرضنا فيما فَيْلَق علميٌّ متخصِّص راح ينهب من صور وضواحيها قطَعاً أَثريةً من تراثنا التاريخي ويحملها إِلى الداخل المحتلّ من فلسطين كي يغيِّر في خارطة الذاكرة فيَنسُبَ إِليه ما ليس له ولن يكون ولو سعى به ظلماً وصلَفاً إِلى إِثبات شرعية وجوده في خاصرة أَرضنا وشعبنا والتاريخ.

هو يعرف أَن سرقة الهوية التراثية جزءٌ من تثبيت هويته التي يُكوِّنُها بتغيير المعالم بعد التدمير والتفجير والتهجير وبعد تجريد المدن من هويتها، كما فعل عندنا في صور وكما يفعل في نابلس والقدس وسائر الأَراضي المحتلّة.

          وهو يعمَل على أَنّ المدينة التي تَفْقد ذاكرة تاريخها تَفْقد عصَبَها الرئيس فتَسْهلُ عليه نسبةُ ما فيها إِليه، لذا يعمل على إِبادة الهوية التراثية لتثبيت حضوره الغاصب.

          سرقةُ النقش التاريخي عن بوابة قصر طوقان في نابلس ليس سرقةَ حجر بل جريمةُ مَـحوِ هوية.

          وأَقسى ما يبلُغُه الغاصب المحتل: أَن يسعى أَولاً إِلى إِتلاف الذاكرة التاريخية باغتصاب هوية الحجر.