نقطة على الحرف- الحلقة 1135
ليس جديداً علينا
الأَربعاء 22 كانون الثاني 2014

        بعد ستة عشر عاماً مُطالَبَةً واحتجاجاً وانتظارَ وُعودٍ لا تَصدُق، انفجَرَ حجرُ الصَّبر في بلدة الناعمة والجوار فَقَطَع أَهاليها الطريق على شاحنات “سوكلين” وطافت النفايات على نواصي الشوارع وبين البيوت، فغرقت بيروت في التلوُّث، فوقَ تلوُّثها اليومي، وغرق معها جبل لبنان.

          ستة عشر عاماً يطالبون الدولة بإِيجاد مكان آخر للمكبّ، وستة عشر عاماً يتلقون وُعوداً لم تَـحْمِ أَهالي الـمنطقة من تلوُّثٍ ينهشها وروائحَ تخنقُها وجراثيمَ وجرذانٍ وزواحفَ تتغلغل في جوف أَرضها وفي صدر هوائها والمناخ.

          ليس جديداً علينا إِهمالُ الدولة، ولا تقاذُفُ مسؤوليها – جيلاً بعد جيل وحكومةً بعد حكومة – تهمةَ التقصير وإِلقاءَهُ على السوى من وزارةٍ إِلى مجلسٍ إِلى بلديةٍ إِهمالاً يشير الـمَسؤُول الحاليّ بالتقصير إِلى مسؤُول آخَر أَو سابق.

          كلُّ هذا ليس جديداً علينا، كما ليس جديداً ما يتكشَّف مع كل طَلْعَة شمسٍ من فسادٍ ينخُرُ جسمَ هذه الدولة من دماغها حتى… أَخمص مَـحاسـيـبِـها والأَزلام.

          المطلوب لم يَعُد الحل، لأَن الحلول المطروحة عند الكوارث الداهمة تبقى حُلولاً مُوَقَّتة أَو آنيَّة أَو تعويضيَّةً غيرَ ناجعة.

          المطلوب: رؤْية للحاضر تعالج المستقبل. وهذا هو المفقود في تصاميم الدولة وصَمَّام كبار مسؤُوليها منذ زمنٍ بعيد.

          مع كل حكومةٍ جديدة تعود الأَسماء إِياها، وإِذا تجدَّدَت فَمِنَ الجهات إِياها، وتبدأُ الوعود من دون أَن نسمع وزيراً جاء إِلى وزارته حاملاً رُؤْيةً لها، فهو لم يتسلَّم حقيبتَها لاختصاصه فيها بل لــــ”كوتا” حزبية أَو طائفية أَو سياسية جاءت به إِلى هذه الحقيبة أَو تلك لِـحِصَّة انتمائه السياسي لا لتنفيذ رُؤْيةٍ يَـحمِلُها معه لتحسين أَداء وزارته وتالياً تحسين مستقبل الوطن.

          غَرَقُ بيروت والجبل بالنُّفايات إِحدى مآسٍ طويلة، منها مأْساةُ صرفٍ صحّيٍّ يُلَوِّث مياه البحر على طول الشاطئ اللبناني ولا من يَسعى إِلى تنفيذ محطات تكرير، ومنها مأْساةُ مَداخن زوق مكايل حاملةِ السرطانِ القاتل ولا من ينفِّذ مخططاتٍ قدَّمتْها بلدية زوق مكايل منذ نصفِ قرنٍ (1963) ولا تزال تنادي ولا مَن يَسمَع ولا مَن يُــنَفِّذ.

          مكبُّ الناعمة، على فداحة التوقُّف عن لَـمّ النفايات، جزءٌ من مشكلةٍ في كلّ لبنان حَــلُّها في إِيجاد مطامرَ أَو محارقَ أَو معاملِ تَحويل النفايات أَسمدةً للأَرض. ولكنْ… أَيةُ رُؤْيةٍ يحملُها مسؤُولٌ لتنفيذ واحد من تلك الثلاثة الحلول؟

          وُعودٌ يوميّة، حُلولٌ ارتجاليّة، معالجاتٌ تأْجيليّة، والـمُوَقَّتُ يَدُوم، والـمأْساةُ تدوم، ويدومُ صراخُ الأَهالي ولا من مُـجِـيب، ولا رؤْيةَ عند مسؤُولٍ لحماية الإِنسان في لبنان، والطبيعةِ في لبنان، ومستقبل الأَجيال الجديدة في لبنان.

          وتَغْرَقُ بيروت… بالعتمة تَغْرَقُ بيروت… بالزحمة تَغْرَقُ بيروت… بالنّفايات تَغْرَقُ بيروت… ومعها يَغْرَقُ الجبل… ومَعَهُمَا يَغْرَقُ الوطن… فيما وسائل الصحافة والإِعلام تَتَنافَسُ على نَشْر سَبَقٍ صحافيّ يُبَشِّرنا بتوزيع حقائب الحكومة الجديدة مُدَاوَرَةً على الأَسماء القديمة، والراديو في زاوية البيت يَصْدَحُ مَزْهُوّاً: “يا مهاجرين ارجعوووو… غالي الوطن غالي…”.