821: … والتأْريخ تَـخليدُ أَفعالٍ وآثار
السبت 7 كانون الأول 2013

التاريخ الحيُّ لكلّ وطنٍ يكتُبُه أَعلامُه لا مؤَرِّخوه. فالتاريخُ سردُ أَعمالٍ وأَسماء، والتأْريخ تَـخليدُ أَفعالٍ وآثار.

قبل أَيام احتفلَت فرنسا بـمرور مئة سنة على صدور رائعة مرسيل ﭘــروست “بحثاً عن الزمن المفقود” سنة 1913. وكان بدأَ بكتابتها سنة 1907 منعزلاً إِلى شقّته الـﭙـاريسية واهِناً من مرضٍ زاده اشتداداً رفضُ المـخطوطة لدى دار La Nouvelle Revue Française. عاد ونَشَرَها على حسابه الخاص لدى دار غراسيه (Grasset) فعرفَت شهرةً حَـمَلَتْ إِليه جائزة غونكور سنة 1919 عن الجزء الثاني، وأَنجزها في سبعة أَجزاء صدرت الثلاثة الأَخيرة منها بعد وفاته سنة 1922 ولم يَـبلغ الحاديةَ والخمسين.

اكتمل صدورُ الرواية سنة 1927 بأَجزائها السبعة في 2500 صفحة حاملةً مراحلَ نابضةً من صفوة الأَدب وذاكرة العصر والمكان، فملأَ مرسيل ﭘــروست الأَوساط الأَدبية، وها روايتُه اليوم مكرَّسةٌ بين الآثار الأَدبية الخالدة في القرن العشرين.

بين كثير الانعكاسات في شُهرة ﭘــروست: قرارُ بلديّة إيِلْيــيه بتسمية البلدة إِيليــيه كومبراي (Illiers-Combray) تخليداً لبلدة كومبراي في الرواية، وهي فعلاً بلدتُه الأُم لأَن روايته في قسم كبير منها سيرةٌ ذاتية لحياتِه وأَماكنها.

هذه الظاهرة تحمل إِلى التفكير بتكريس أَعلام يخلِّدون بلداتِهم بآثارهم أَو بذكْرها في آثارهم، وهو ما نشهدُه عندنا في القطاع الخاص أَو المجتمع المدني، لا ببادرةٍ رسمية من بلديةٍ أَو وزارةٍ أَو حكومة.

هكذا، أَدبياً وفنياً، اشتُهر الشخروب بناسكِه ميخائيل نعيمة والفريكة بأَمينها الريحاني والزوق بالياسِها أَبو شبكة وعين كفاع بمارونِها العبّود وراشانا ببصابصها الثلاثة وبشرّي بجبرانها وسواها بسواهم فانتقلت واحدتُها من ضيعةٍ منسيةٍ على الخارطة إِلى منارةٍ أَدبية أَو فنية بفضل أُولئك الأَعلام. ولعلّ هذا من واجب البلديات التي، كسلطة محلية، لا يقتصر عملها على تلبية حاجات المواطنين وبُـنْـيَـتـهـم التحتية، بل يجب أَن تَعي بُــنْــيَــةً فوقيةً وإِبداعيةً فيها هي التي تُعلي مَـجد البلدة والبلدية معاً.

عدا بلدية بشري وعلاقتِها بـلجنة جبران، وبلدية زوق مكايل وإنشائها متحف الياس أَبو شبكة (وقد تكون بلدياتٌ أُخرى تهتمُّ بأَعلامها) لا نشهدُ بلدياتٍ تنشئُ لـمبدعيها معالـمَ تصبحُ متاحفَ ومقاصدَ للزوّار والسيَّاح كما بلداتٌ كثيرةٌ في العالم باتت بفضل معالِـم المبدعين فيها مقاصدَ للسياحة الثقافية.

وللمثال فقط: كانت ستراتفورد أَﭘــون آﭬــون (Stratford-upon-Avon) قريةً صغيرةً غافيةً في وسَط إِنكلترا، سكانها حتى اليوم لا يتعدّون 25 أَلف نسمة فقط، لكنها تستقبل سنوياً خمسة ملايين سائح يَنحَنُون أَمامَ بيتِ مبدعٍ عبقريٍّ منها، اسمُهُ… وليم شكسـﭙـير.