في أُسبوع الاستقلال ترنو العواطف إِلى رمزَين من رموز لبنان: العَلَم اللبناني والنشيد الوطني.
وكلاهما موضوعُ كتاب جوزف وأَدونيس نعمة “العَلَم اللبناني والأَناشيد اللبنانية عبر التاريخ“، صدَرَ هذا الأُسبوع في 220 صفحة حجْماً موسوعياً غنيّاً بنصوصٍ تاريخيةٍ ووثائقَ نادرةٍ وصُوَرٍ قديمةٍ جدّاً من أَرشيڤ جوزف نعمة ووالدِه داود أُسطفان نعمة.
جوزف نعمة نقيبٌ سابقٌ في قوى الأَمن الداخلي ومؤَرِّخٌ كرَّس حياتَه للتنقيب في تاريخ الدرَك اللبناني والفولكلور اللبناني وصاحب السلسلة التاريخية “صفحاتٌ من لبنان”. وابنُه أَدونيس نعمة عميدٌ ركنٌ مهندسٌ في الجيش اللبناني متقاعدٌ منصرفٌ إِلى الكتابة التاريخية وجمع الوثائق القديمة عن لبنان ونَشْـرِ تُراث والده الـمُؤَرِّخ النقيب.
يَـرسُم الكتاب خارطةً زمنية للعَلَم الذي عرفَه لبنان منذ أَقدم عصوره راياتٍ وأَعلاماً تغيّرت أَشكالُها عبر مراحلَ تاريـخيةٍ قديمةٍ تنقَّلَت من العَلَمِ الفينيقيّ إِلى عَلَمِ الـمَرَدة فرايةِ الـمماليك فعَلَمِ العثمانيين فراياتِ الأُمراء والمقدَّمين والمشايخ فعَلَمِ الجنبلاطيين فعَلَمِ الشهابيين فالعَلَمِ اللبناني زمنَ الـمُتصرفية فالعَلَمِ العربيّ على دار الحكومة في بــيروت، فعَلَمِ لبنان بين الحرب العالمية الأُولى وعهدِ الانتداب (رايةٌ فرنسيةٌ بأَلوانها العمودية الثلاثة تتوسَّطُها أَرزة) تبنّاه الجنرال غورو في خطاب أَوّل أَيلول 1920 مُعلناً إِنشاءَ “دولة لبنان الكبير” ورفعَتْه سرايات الحكومة في بعبدا وزحلة وجونيه ودير القمر وبعقلين وجبيل والبترون وسوق الغرب. ومع نهاية عهد الانتداب تركَّز شكلُ العَلَم اللبناني على شكل العَلَم النمساوي بثلاثة أَقسامِه الأُفُقية أَحمر أَبيض أَحمر وفي وسَطه الأَرزة الخضراء، تبنّاه سبعةُ نواب: مارون كنعان نائب جزين، سعدي المنلا نائب طرابلس، محمد الفضل نائب محافظة لبنان الجنوبي، صائب سلام نائب بيروت، رشيد بيضون نائب محافظة لبنان الجنوبي، صبري حمادة نائب البقاع، وهنري فرعون، وقّعوا عليه وحملوه إِلى أَعضاء حكومة بشامون فأَقّرُّوهُ ورفعوه هناك فوق مركز الحكومة الموقّت. ومع فجر 22 تشرين الثاني بزغَت شمسُ الاستقلال ومعَها عَلَمُ لبنان الحالي الذي لا يزال تاج كُلّ لبناني في لبنان والعالم.
في القسم الآخر من الكتاب تاريخُ الأَناشيد الوطنية عبر السنوات، بينها أَناشيدُ لفئاتٍ لبنانيةٍ متفرّقة عند ذَهابها إِلى الحروب أَو في احتفالاتها الشعبية. ولاختيار نشيدٍ وطنيٍّ كانت مسابقاتٌ ومبارياتٌ لم يتمَّ إِجماعٌ على أَيٍّ منها حتى شكَّلَت الحكومة اللبنانية سنة 1926 لجنةً تحكيمية من عبدالله البستاني وابرهيم المنذر وعبدالرحيم قليلات ووديع عقل والياس فياض نظرَتْ في القصائد الـمُرشَّحة وتوقَّفت عند ثلاث: أُولى لشاعر الأَرز شبلي ملاّط، الثانية لـمُحافظ الشمال عبدالحليم حجار، إِنما لأَسباب فنيةٍ ووطنية اختارت اللجنة نصاً ثالثاً بتوقيع “مَعبَد” (الـمغني العربي الشهير) تبيَّن بعد فضّ الأَسماء أَنه الشاعر رشيد نخلة. وصدر النشيدُ بمرسومٍ جمهوري فاز بتلحينه وديع صبرا فبات نشيدَ لبنان الرسمي لكلّ مناسبة وطنية أَو شعبية.
وختام الكتاب فصلٌ عن موسيقى الدرَك اللبناني وأَناشيد لـحَّنَها الأَخَوان محمد وأَحمد فلَيفل وبعدهما سليم محمد فلَيفل.
كتاب جوزف وأَدونيس نعمة “العَلَم والأَناشيد اللبنانية عبر التاريخ” مرجعٌ تاريخيٌّ موثَّـق لرمزَين من رموز لبنان نرنو إِليهما في رِفْعة رأْسٍ صوبَ العلَم، ورِفْعةِ صَوتٍ يُنشد: “كلُّنا للوطن… للعلى للعلَم”.