1125: الحصانةُ قناعُ الــزَّيْــف
الأَربعاء 13 تشرين الثاني 2013

        لأَنّ القانون، في الدُّوَل الراقية، فوق الجميع بدءاً من الكبار والقادة والمسؤُولين في الحُكْم، تأْتي المحاسبةُ أَقوى ما في القانون، بدءاً من محاسبة الكبار والقادة والمسؤُولين في الحُكْم.

          مناسبةُ هذا الكلام ما أَقدَمَ عليه الـﭙـرلـمان اليوناني قبل أَيامٍ برفْعِه الحصانةَ عن ستة نواب من كتلة “النازيين الجُدد” تَمهيداً لاتّهامهم بـ”الانتماء إِلى منظمةٍ إِجرامية” هي حزب “الفجر الذهبي” الـمُتشدِّد الذي قام بأَعمال عُنف في البلاد. وكانت السلطة اليونانية احتجزت أَعضاء من الحزب، بينهم زعيمُه، في انتظار محاكمتهم بتهمة حيازةِ أَسلحةٍ في مراكزه، وتبييضِ الأَموال، وحمايةِ المجرمين، والقيامِ بأَعمالٍ عنفية ضدّ أَمن الدولة، كان آخرَها طعنُ مُغَنٍّ يوناني حتى الموت.

          هي ذي العدالة تبسط هَيبتَها على المواطنين سواسيةً: لا تفريقَ بين حزبٍ وحزب، بين كتلةٍ وكتلة، بين فئةٍ وفئة، بين تيارٍ وتيار، لا مكانَ عندها للمحسوبيات والزبائنيات والأَزلام والأَنصار والمحازبين.

إِنها هيبةُ الدولة تَفرض حضورَها بـما يَلجُم فلَتانَ الأَمن وعنترياتِ قادة المحاور وزعماء الزواريب. ففي كل دولةٍ “نازيُّون جُدُد” يُرهبون الناس بممارساتهم الـمُتسَلِّطة.

          عدالةُ الدولة اليونانية لم تَسمح بأَن يكونَ في مجلس النواب نوّابٌ يَحمُون مجرمين، أَو يَنتسبون إِلى حزبٍ يتصرّف على أَنه فوق القانون وأَعلى من سلطة الدولة.

          صحيحٌ أَنّ هذا لا يُلغي حصولَ جرائمَ وحدوثَ تجاوزات، فليس في إِمكان الدولة، أَيِّ دولة، أَن تُخَصِّص شُرطياً لكُلّ مُواطن أَو لكُلّ حَي، لكنّ العدالةَ حين تطالُ نواباً يُـمثّلون بضعةً من الشعب يرعوي الصغارُ عن الإِقدام على الكبائر، والناسُ على صورة كبارهم، وحين يرى الـمُرتكبُ أَنّ حاميه اعتُقِل وسِيق إِلى المحكمة، أَو انَّ زعيمَه اقتيد إِلى السجن، أَو انَّ حزبَه أَو تيّاره بات على اللائحة السوداء، قد لا يُعيدُ انتخابَ مرشحي هذا الحزبِ أَو تلك الكتلةِ في الانتخابات اللاحقة، مهما نظَّم الحزبُ الـمحظورُ مظاهراتٍ وتَظاهراتٍ ورفَعَ يافطاتٍ وعلَّى الأَيدي والأَصوات بالتعييش والغناء الحماسيّ الفولكلوري.

          هي ذي الحصانةُ التي يتمتَّع بها نُوّابٌ ووزراء ومسؤُولون في الدولة، فيَخونونَها ويستخدمونَها ويستغلُّونَها للقيام بأَعمالٍ ضدّ أَمْن الدولة وأَمان الشعب، ويرفضون رفْعها عنهم لأَن انحسارها يكشفُ فضائحهم ويُعرّيهم أَمام الحقيقة ويُظْهِر وجهَهم الحقيقي فيُصعَقُ المواطنون بارتكاباتِ مَن انتخبوهم ليكونوا صوتَهم فخانوا صوتَ الناس مُستغِلِّين الحصانة.

          وأَمام هذا الغُنْم الكثير بفضل الحصانة يفضِّل مسؤُولون في الدولة أَن تبقى مكسورةً هيبةُ الدولة، ومَـمْحُــوَّةً هيبةُ العدالة، ومنتشرةً فوضى الحكْم، حتى تظلَّ الحصانةُ قِناعَهُم الـمُجَمَّل بلقب صاحب “سعادة النائب” أَو “معالي الوزير” أَو “دولة الرئيس”، فلا تَسطع شمسُ الحقيقة وتذيب الثلج عمَّن مَكانُهم ليس في مقاعد الحكْم بل على مقاعد الزنزانة الـمْظْـلمة.