ليس نجاحُ الفيلم مقصوراً على مُـمثليه الذين يُطلقونه تجارياً، بل تُنْجِحه عناصره جميعُها، وفي طليعتها: حوارُه.
هذا ما تجلَّى واضحاً في نصوص فيلم “بُزوغ الفتاة” (Girl Rising) المتصاعدة شعبيَّته حيثما تعرضه الشاشات في العالم، لِـما فيه من رسالة قوية عن تعليم الفتاة وأَثره في انطلاقها حضوراً مثمراً فاعلاً في مجتمعها.
وكان ذكياً من المخرج (ريتشارد روبنز) أَن يكلِّف بكتابة النصوص روائياتٍ وصحافياتٍ وكاتباتٍ متخصصاتٍ بكتابة السيرة والـمذكِّرات، كلٌّ منهُنَّ بنتُ البلَد الذي يجري فيه توثيق حالة الفتاة.
هكذا، عن تسع فتيات من تسعة بلدان نامية وبصوت تسع ممثّلات محترفات، كانت لنا في الفيلم نصوصٌ بليغةٌ ارتقَت بمستواه الفني، وأَبرزت في شهادات الفتيات الـمحرومات التعلُّم حالاتٍ موجعةً من بؤْس، مفاجِئَةً في مدى طُمُوحهنّ إِلى شمس جديدة يساعد بزوغُهن على إِشراقتها المثمرة. من هنا عنوان الفيلم “بُزُوغ الفتاة”.
بين تلك الشموس، مثلاً، طموحُ الفتاة سينّا من الـﭙـيرو أَن تتعلّم كي تكون شاعرةً، وهي تعيش بيئةٍ فقيرةٍ مُعْدَمَة عند أَعلى قمةٍ مسكونةٍ على الكوكب (جبل لا رينكونادا – 18 أَلف قدم) صعدَت إِليها بنتُ الـﭙـيرو الكاتبة والصحافية ماري آرانا (رئيسة تحرير صفحة الكتُب في الـ”واشنطن ﭘـوست”) لتقطف من سينّا حواراً ترجمتْه في الفيلم نصّاً بليغاً ضاهى بلاغة الصورة في التعبير.
ومن حالةٍ إِلى أُخرى تتنقّل في الفيلم نصوصٌ بليغة: “ليس من أُعجوبةٍ هنا بل مجرَّدُ فتاةٍ تحلم بالتعلّم”، “أُريد أَن أَقرأَ، أَن أَدرس، أَن أَتعلَّم. وإِذا منعتُموني سأُريد أَن أُريدَ أَكثر”، “إِذا حرمتُموني من التعلُّم ستبْزُغُ فتياتٌ غيري يطالبْنَ به مَكاني”، ” أُحِسُّني إِذا تعلَّمْتُ سأُصبح أَقوى وأَنْـجَع”،… وهكذا من فتاةٍ إِلى أُخرى ومن بلادٍ فقيرةٍ إِلى أُخرى تقول الفتيات المحرومات كلاماً مؤَثِّراً في الزواج الـمْبْكر والدِّين الضاغط والجرائم القاهرة والموت المجاني والطفولة والخطْف والاغتصاب والبشَرة الداكنة،… في نُصوص صاغتها كاتباتٌ مُـحترفاتٌ بأُسلوبٍ أَدبي مدروس ظاهرُه بسيطٌ لكنه مشغولٌ بِـحِرَفيَّةٍ متينةٍ تَـجعلُ تأْثيرَه في المشاهدين أَقوى.
هكذا، في تسعةِ نصوصٍ وحواراتٍ تدعم شهادات تِسْع فتيات الفيلم، يتّضح الفرق بين كاتب حواراتٍ عادي، وأَديبٍ أَو شاعرٍ أَو صِحافـيٍّ أَو روائيٍّ يَكتُب بجماليا تعبيرِه وبراعة أُسلوبه حواراً ينقل الفيلم من نص أُفقي عاديّ مجرّد جِسْرٍ بين الصورة والمضمون، إِلى كلامٍ مؤثِّرٍ يتلقّفُه الـمُشاهد من الفيلم ويبقى في ذاكرته طويلاً ما طالت ذاكرتُه في ترداد البلاغة الجميلة.