لم تَهدأْ بعد – وقد لا تهدأُ قريباً – حملةُ منتقدي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على قراره السماحَ للصبيّة ليوناردا ديبراني بالرجوع وحدها إِلى فرنسا بعدما صدَر القرار العدلي بإِبعاد كلّ عائلتها الغجَرية إِلى بلدها كوسوﭬــو لوضع الأُسرة غير الشرعي ولاقتراف الوالد أَعمالاً مُـخِلَّـةً بالنظام، ما دلّ – وفقاً لقانون الهجرة – على “رفْضه الاندماج في نسيج الـمُجتمع الفرنسي”.
هولاند كَسَرَ هَيبة القانون بقراره إِعادةَ الفتاة فقط وسلْخها عن عائلتها، بعدما كان رجال الشرطة داهموا باص مدرستها واقتادوها أَمام رفيقاتها إِلى سيارة الـﭙـوليس لترحيلها مع والدَيها وإِخوتها.
رئيسة “الجبهة الوطنية” مارينا لوﭘِــن طالبَت الرئيس بالاستقالة الفورية، وسينزل الطلاّب إِلى الشارع بعد أَيام للتظاهُر ضدّ هولاند.
هذا الموضوع يعني فرنسا والفرنسيين لكنه يمتدُّ إِلى العدل والقانون وهَيْبة الدولة أَينما كان.
فالعدل لا يكون اصطلاحاً، والقانون لا يكون استنساباً، والنظام لا يكون بالتوافق ولا بالتراضي ولا بالاستثناءات.
الدولةُ التي تثِقُ بسُلْطتها العدلية لا تكسر هذه السلطة ولا تعرِّض صورة الدولة للتشويه، بل تطبّق دستورها ونظامها وقوانينها وعدالتها على جميع المواطنين سواسية بدون استثناء.
والدولةُ التي تفْرض هَيْبتها وسلطتها تعمِّم التربية على الأَخلاق الـمُواطنيّة والقيَم الوطنية، وعلى احترام النظام والتقيُّد بأَحكامه، وإِلاّ تتقهقر دولةً بشريعة غاب: مَن يَسُنُّ فيها القوانين؟ مَن يُطَبِّقها؟ مَن يُشْرف على تطبيقها؟ من يَــفرض العقوبات على مُـخالفيها؟ مَن يتابع تطبيق العقوبات لتنفيذها الكامل؟
والدولةُ التي تمارس النظام على عائلةٍ تعاقبها أَو تُرَحِّلُها أَو تُحاكمها وتَغُضّ التطبيق عن سواها، ليسَت دولةً ذاتَ هَـيـبـة.
والدولةُ التي تَقْمَع المخالفات في منطقة منها وتُقَصِّر عن قمْع المخالفات في منطقةٍ أُخرى، ليسَت دولةً ذاتَ هَـيـبـة.
والدولةُ التي لا تبْسط كامل سلطتها على كامل أَراضيها وجميع أَهاليها وسكّانها، ليسَت دولةً ذاتَ هَـيـبـة.
والدولةُ التي تعجَز عن إِرساء النظام والأَمن والقانون لأَن فيها جِهاتٍ نافذَةً، وبُؤَراً لا تَدْخُلُها، وأَفراداً لا تُقاربهم، وسياسيين فوق القانون، ليسَت دولةً ذاتَ هَـيـبـة.
والدولةُ التي يُفَسِّر دستورَها ونظامَها كلُّ نافذٍ فيها ذي “أَجنْدا” ذاتية أَو حزبية أَو سياسية أَو انتخابية يُطَــبِّـق القانون وَفْق مصلحته فـيُــبرِّر ويُبَرِّئ ويَـحْمي ويُغَطِّي ويُسَلِّح، ليسَت دولةً ذاتَ هَـيـبـة.
ومتى بلَغَت الدولة أَن تكون بِــدُون هَيبة، أَي بدون سلطة، تُصبحُ دولةً عاجزةً سائبةً تَفتَح شهيّة الدول القادرة على انتدابها أَو احتلالها أَو “إِنقاذها” ولو بِدَعمِ سُلطةٍ… “شقيقة” أَو “صديقة”.