أَبْعَدُ من أَن تكون الروائية الكَنَدية آليس مونرو (82 عاماً) نالت الخميس (أَوّل من أَمس) نوبل الأَدب – وهي تستحقُّها كــ”سيّدة الأُقصوصة الأَدبية المعاصرة”، يبقى الأَساس: كيف تُعطى هذه الجائزة؟ وما معاييرُ الأَكاديميا السويدية حتى تَـمنحَها لأَديبٍ دون آخر بين نحو 350 اسماً سنوياً من كلّ العالم.
في منطق الجائزة أَنها “تكافئُ إِسهاماً قيِّماً في الأَدب العالـميّ” أَتى به “مَن أَدَّى للإِنسانية خدمةً جُلّى في آثاره الأَدبية وأَثبتَ فيها تَـمثيلَه بيئَتَه وحضورَه نَـموذجاً مثالياً”. وهذا ما يجعل نوبل الأَدب التكريسَ الأَعلى والأَشهر للكاتب، تَرُوج بعدها مؤَلَّفاته في سرعة قياسية وتنتقل إِلى لُغات عالـمية، ما يؤَمِّن له شهرةً قُصوى إِضافةً إلى المكافأَة المالية المريحة.
وقد تتّخذ هذه الجائزة، ولو أَدبية، منحىً سياسياً فينالها من يقاوم نظاماً استبدادياً قمْعياً (ﭘـاسترناك 1958، سولْـجِنيتسين 1970، نيرودا 1971) أَو من تَرك في السياسة بَصمةً أَدبيةً عالية (نالها تشرشل سنة 1953 على كتاباته التاريخية وخُطَبه السياسية العالية القيمة الأَدبية في الدفاع عن القيَم الإِنسانية).
ولا يكون للسنّ معيار. قد يَنالها من تَخطّى الثمانين (السويديّ ترانسترومر 2011 وكان في الثمانين، البريطانية دوريس ليسنغ 2007 وكانت في الثامنة والثمانين) أَو مَن كان دون الخمسين (أَلبر كامو 1957 وكان في الرابعة والأَربعين).
وليس المعيارُ دوماً سعةَ انتشار المؤلَّفات وترجماتِـها. حين بعضُ المؤلَّفات ليسَت في لغةٍ يُتقنها الأَعضاء، تَطلُب لهم الأَكاديميا ترجمةً خاصةً إِذا مؤلِّفوها ذوو قيمة أَدبية تُـمثِّل مُـجتمعهم وَفْقَ معايير الأَكاديميا التي تضُمّ أَعضاءَ من أَكاديميات أُخرى، وجمعياتٍ وهيئاتٍ أَدبيةً محلية أَو عالَـمية، وأَساتذةً جامعيين خُبراءِ لغةٍ وأَدبٍ ولسانيات، وفائزين سابقين بنوبل الأَدب، ورؤَساءَ اتّـحاداتِ كُتَّابٍ دولية عارفين بالإِنتاج الأَدبي في بلدانهم.
ولأَنّ التداول في الأَسماء المرشَّحة، بعد قراءة المؤلفات، يأْخذ من الأَعضاء وقتاً طويلاً (من شباط إِلى تشرين الأَوّل) تتكرَّر سنوياً أَسماء سبقَ ترشيحُها وبقيَ أَصحابها على لائحة التصفيات قبْل النهائية لكنهم لم يَبْلُغوا التصفية الأَخيرة (تتطلَّب تصويتاً بالأَكثرية) بين آخر خمسة مرشَّحين، حتى إِذا صدرَت النتيجة بقيَ الأَربعةُ حُكْماً على لائحة التصفيات للعام التالي.
هذا العمل الجِدّي السنوي من كبار الخبراء في الأَدب يُشير إِلى قيمة الحائز على نوبل الأَدب في أَن يكون قدَّم في إِرثه الأَدبي قيمةً تُطَوِّر الإِنسانيةَ في مسارها، بعيداً عن شُهْرة التسويق الصحافـيّ والإِعلامي وبهرجةِ أَسماء “لامعة” تَـحظى بالأَضواء الجماهيرية والترجمات ولا يكون لآثارها أَثــرٌ في تقدُّم الإِنسانية.