(ليـوم الأَربعاء 9 تشرين الأَول 2013)
في علم الأَرقام أَنَّ الرقم لا قيمة له ما لم يُقارَن برقمٍ آخرَ فيبدو مُهمّاً أَو ضئيلاً.
في هذه المقارنة نقرأُ ما تناهى إِلينا أَخيراً من رقم عن لبنان أَقَلُّ ما يقال فيه إِنه مُـخْزٍ ومُعيب.
فعن المؤشر العالمي للفاعلية الحكومية – أَصدره البنك الدولي عن 215 بلداً – أَنّ لبنان جاء في المرتبة العشرين بعد المئة بين الدول ذات جدوى البيروقراطية وجودة الخدمات العامة، فإذا بلبنان متراجعٌ ثلاث درجات على مقياس الحكمية الصالحة، ومتأخّرٌ بذلك عن 57% من دول العالم بسبب تدنّي مستوى الحكمية فيه، والعاشر بين عشرين دولةً عربية على مقياس استقلال الحكم فيه عن الضغوط السياسية، وضعف تطور الإِصلاحات وفقدان مصداقية الحكومة في التزاماتها. لذا تراجع في السنتين الأَخيرتين خمس نقاط عالمية رئيسة أَسقطته ثلاثين درجة عن المؤشر العالمي السابق قبل سنتين. وعلى مقياس الأَمن حلّ لبنان وراء 93% من دول العالم المستقرة، بعد بوركينا فاسو وسري لنكا، مسجِّلاً ثاني أَكبر تراجع دولي إِلى الأَسوأ. وفي موضوع ثقة الشعب بحكومته هبَطَ لبنان إِلى الدرجة 154 بسبب احتمال ازدياد العنف فيه والجرائم والعمليات الإِرهابية.
أَكتفي بهذه الأَرقام الـمُخجلة والنتائج الـمُعيبة والمعايير المكسورة والمقاييس الـمُحطَّمة التي يرزح فيها شعبُ لبنان بسبب سوء الحُكْم والحُكْميّة والحكومة، وبسبب ممارسات سياسيين فيه لا يخجلون من وقاحتهم ولو قرأُوا هذه الإِحصاءات الفاجعة عن لبنان.
وكيف يَخجلون طالـما يُمارسون تَعَنُّتَهم يومياً على الشعب، ويَطوُون أَيامهم في دَهْوَرَة البلاد بين حكومةٍ مستقيلةٍ يبحثون لها عن تعويم وترميم، وحكومةٍ جَهيضة يَحرُمون تَـمَّامها من التَّـتميم، ومُشادّات تلـﭭـزيونية ومنبرية يتنافسون فيها على التشتيم، والشعب يــئِـنُّ من يأْس عَميم، والاقتصاد يتهاوى بالتنويم، والبلد كلُّه واقفٌ متوقِّفٌ موقوفٌ في زنزانة التعتيم.
كيف لا يصفعنا الـمُؤَشِّر العالَـميُّ بأَرقام العار، وعندنا في السياسيين طقمٌ لا يَشعر بما يجري، أَو لا يريد أَن يشعر إِلا بما تشعر به مصالحه وأَنانيته وفردانيته وشخصانيته، وما ينبع به حقدُه من تَعَنُّتٍ وعنادٍ وتَصَلُّبٍ واستفرادٍ واستبداد، والشعب يـيأَس لأَنه يَجوع، والشباب اللبناني يهشَل لأَنه يجوع، والنموُّ اللبناني من التقدُّم ممنوع، وهذا الطقم السياسي يَــتَــتَـلْــفَــز علينا كلَّ مساءٍ مـمارساً عنادَهُ وعنتريّاته وتَصَلُّبَ مواقفه كَسْباً لربحه السياسي ولو على حساب خسارة الوطن الـمُرَشَّحة للتدهْوُر بعد.
مُـخجِلةٌ أَرقامُ الـمُؤشِّر العالـمِيّ؟؟ طبعاً مُـخْجِلة. لكنّ الـمُخْجِلَ أَكثر: طقمٌ من السياسيين ما زال يَستَمْطِر الكوارث على لبنان، وهو يردِّد بكل عُهرٍ ووقاحة: “يصير ما أَنا أُريدُ مثلما أُريد، ومِن بَعدِيَ الطوفان”.