799: قصة وطن في دوامة

قصةُ وطن في دوامة
السبت 22 حزيران 2013
-799-

لم يَدرُس ﭬـوليس سِـمْـﭙـْسون فنّ النحت ولا انتسَب إِلى أَكاديميا للفنون الجميلة.
عاد من الخدمة العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية وراح يُلملمُ بقايا أَجهزة المكيّفات ويفرطها قِطَعاً صغيرةً ثم يُعيد تركيبها في أَشكال متعدِّدة يُطْلع منها مُـجَسَّماتٍ يرفعها أَنصاباً دوّامية في الفضاء، هوايةً بسيطةً تطوَّرَت حتى أَصبح محترفُه متحفاً من هذه “الأَنصاب” المعدنية يقصده السيّاح إِلى بلدته لوكانا قرب مدينة رالي في ولاية نورث كارولاينا.
ولم تَبقَ أَعماله محصورة في فضاء بلدته وساحاتها بل انتشرَت في متاحف وساحات عامة ومداخل أَبنية كبرى، أَسس بها ما بات يعرف بـ”الفن البَصَري المتحرّك”: أَنصابٌ معدنية تدور عاليةً في الفضاء فتشكّل جواً من الجمال. وهي قطعُ خُردة لـمْلَمَها من إِهمالِها الصَّدئ وحَوَّلَها أَعمالاً فنية جمالية جعلت السلطة المحلية تقرّر تجميعَها في فضاء ساحةٍ واسعة من مدينة ولسون (على نحو 10 كلم من بيته) وتسمية الساحة باسمه.
كان سعيداً بهذا القرار وينتظر نقْل أَعماله وتدشين الساحة. غير أَن الموت داهمه في الأَول من هذا الشهر فانطوى في الرابعة والتسعين قبل أَن يرى الناس متحلّقين حوله في تدشين الساحة العامة باسمه حديقةً نابضةً بأَنصابه المعدنية الدوّارة دوّاماتٍ في الفضاء.
هذه هي قصةُ إِنسان لَملَم خُردةً صدئة، فَكْفَكَها وأَعاد تركيبها مُشَكِّلاً بها دوّاماتٍ تدور في الفضاء أَنصاباً فنيةً إِبداعية جعلت مجلس الولاية يتبنّاها ويعتبرها رسمياً “فن الولاية الشعبي”.
وعندنا قصةُ وطنٍ مُـجَمَّع يُـمعِنُ سياسيون في تفكيكه إِلى خُردة كلامٍ صَدِئٍ وتصاريحَ صدئة ومواقفَ صدئة يرفعونها في فضاء لبنان تَدور وهُم يَدُورون ويُدَاورون، والشعب يعاني من دوّاماتهم ويعاينها تدور حَولَه وفوقَه يوماً بعد يومٍ بعد يومٍ، حتى يدوخَ الشعب من الدوّامات الصدئة ولا يدوخ أُولئك السياسيون من الدَّوَران في كلماتهم الصدئة إِياها وتصاريحهم الصدئة إِياها ومواقفهم الصدئة إِياها.
وتغيبُ شمسٌ وتُشرقُ شمسٌ، والوطن يتشلَّع بين أَيديهم قِطَعاً قِطَعاً ويتفكَّك مؤَسسةً مؤَسسةً وجهازاً جهازاً، ولا يزالون يُفَكْفِكُون الحُثالاتِ وقِطَعَها ومقاطعَها ويُحوّلونها بكلماتهم وتصاريحهم ومواقفهم خُرْدَةً دائرة دائخة في فضاء لبنان وعلى أَرض لبنان وفي شعب لبنان.
وإذا خُردةُ ﭬـوليس سِـمْـﭙـْسون آلَت هناك إِلى متحف فنيٍّ كبير متحرّك في الهواء الطلق، فالخشية الفاجعة هنا أَن تؤَدّي خُردةُ بعض السياسيين عندنا إِلى جَعْل الوطن بِـحُثالاتهم متحفَ مُؤَسساتٍ مشلَّعةٍ مُفكَّكَة… لا بأَنصابٍ فنيةٍ جمالية بل بأَشكال قبيحةٍ جنائزية كأَشكال مَن يُـمْعِنُون في تفكيك هذا الوطن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*