بين الأُدباء مَنْ يُكَرِّس قلمَه لِذَاته تأْليفاً ونِتاجاً، وبينهم مَنْ يُكَرِّس قلمَه للسِّوى أُدباءَ وشُعَراءَ وأَعلاماً يُضيْءُ عليهم وعلى أَثرهم في تراث بلادِه وأَجيالها. من هؤلاء: الأَديب جوزف السخن الذي كرّس مؤَلفاته بالفرنسية لأَعلامٍ من لبنان وضَع عنهم سنة 1970 كتاب “أُدباء لبنانيون معاصرون”، وبين 1974 و1983 أَصدر خمسة أَجزاء في عنوان واحد: “أَلوان لبنانية”.
أَمامي الآن أَربعةُ أَجزاء أُخرى، بالفرنسيّة كذلك، في عنوانٍ واحد: “آفاقٌ لبنانية”(Horizons Libanais) تمتدُّ على مجموعةٍ من أَعلام لبنان في السياسة والفكر والأَدب والدﭘـلوماسيّة.
في الجزء الأَوّل -الصادر سنة 1985- عالج المؤَلِّف سيرة الرئيس كميل شمعون، الشيخ ﭘــيار الجميّل، الرئيس شفيق الوزّان، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، إِدوار حنين، الأَمير شكيب أَرسلان، الشيخ نجيب دحداح، والعميد الجامعي ريمون فرحات.
الجزءُ الثاني -الصادر سنة 1993- خَصَّه المؤَلّف للرئيس شارل حلو سيرةً شخصيةً وصحافيةً ودﭘـلوماسيّةً وسياسيةً وصولاً إِلى رئاسة الجمهورية، مع وثائق وكتابات للرئيس حلو وظروف صُدُورها.
الجزءُ الثالث -الصادر سنة 1993 كذلك- مخصَّصٌ للسفير فؤاد الترك سيرةً دﭘـلوماسيّةً مبَكِّرةً من سفارةٍ إِلى سفارةٍ وُصولاً إِلى الأَمانة العامة لوزارة الخارجية.
الجزءُ الرابع الأَخير – الصادر سنة 1995- يتناول الرئيس صائب سلام، الرئيس كامل الأَسعد، الوزير مروان حمادة، الدكتور شارل مالك، عميد “النهار” غسّان تويني، الدكتور ميشال عاصي، الكاتب باسم الجسر، الشيخ أَمين تقيّ الدين، الأَديبة مي زيادة.
إِن لم يكن من جامعٍ موحِّدٍ بين هذه الأَجزاء، فمجموعُها شَهاداتٌ في أَعلامٍ من لبنان يجمعُهم هدفٌ واحدٌ وتختصرُهم رؤْيةٌ واحدة للبنان التفرُّدِ الفكريِّ والتميُّزِ الحضاريِّ والشعلةِ الدائمةِ الدَّفْقِ أَنواراً تَنْبع من إِرثه فتَشُعُّ على أَرضه ومحيطه، وتُوغِل أَبعَدَ حتى ما وراءَ البحار إِلى مُغتربيه ومنتشريه في كُلِّ صقْعٍ وبلاد.
وإِن لم يكُن لـجوزف السخن أَن يقدِّرَ أَو يُـحلِّلَ أَو يُقيِّم، فدَورُهُ كان تقميشياً صادقاً، أُفُقياً من دون ولوج إِلى معارج النقد أَو التنظير، ما يجعل مؤَلَّفاته بساطاً مفتوحاً لعرض المادة كما هي: سيرةً ونتاجاً ونصوصاً لِـمَن أَو عَمَّن يُؤَرِّخ لهم ووثائقَ أَصليةً تَجعلُ مقاربتَهم لاحقاً أَسهلَ مَنالاً وأَقربَ تَداوُلاً، تُوَفِّر على الـمُؤَرخين والنقَّاد عَناءَ البحث في مصادرَ متعدِّدةٍ لبُلوغ معلومةٍ عن الشخصية المقارَبَة أَو المعالَـجَة.
وإِن كانت هذه الأَجزاءُ الأَربعة، كسابق الأَجزاء من سلسلة أُخرى للمُؤَلِّف، تُعالِـجُ أَعلاماً من ميادينَ مُـختلفةٍ متنوعةٍ بين السياسة والفكر والدﭘـلوماسيّة والأَدب والشعر، فلأَنَّ غنى لبنانَ ليس منحصراً في ناحيةٍ أَو حقلٍ أَو ميدان بل هو تنَوُّعٌ حضاريٌّ وتعدديةٌ سوسيو-ثقافيةٌ تَـجعلُهُ وطنَ رسالةٍ أَبعدَ من أَن يكونَ وطنَ جغرافيا وديموغرافيا وحسْب.
بهذا المنطق نقرأُ سلاسلَ كتُب جوزف السخن، تُطِلُّ منها علينا أَسماء بُـناةٍ من لبنان مَـرُّوا في تاريخه الحديث وتَرَكُوا بصماتٍ واضحةً على جيلهم والجيل التالي، وسَيَتركُون أَثراً بيِّناً على أَجيالٍ لبنانيةٍ مُقْبلةٍ سَتَرى في أَعلام بلادِها مناراتٍ هاديةً لِمُستقبَلٍ مُشرِقٍ فيه جَنى الأَيدي التي بَنَتْ، والأَيدي التي زَرَعَت، وتلك التي وَفَّرَت للحَصاد بَيادرَ خَيرٍ وصَلاح، وإِرثاً غنياً هو الذي يَجعلُ الوطن مُـمَيَّزاً وشعبَه قادراً على الآتي من الصعوبات لأَنّ له جُذُوراً في أَرضه وإِرثه ومَـخزونِه الفِكريّ ما يُرَسِّخُه عميقاً في غَدِ التاريخ.
وهي هذه الرسالةُ اللبنانيةُ في كُتُب جوزف السخن بالفرنسيَّة: “آفاق لبنانية”.