بين أَنبل ما يعمل عليه المعنيُّون: حفظُ الذّاكرة إِرثاً وتُراثاً وميراثاً وتوريثاً. من هنا أَنَّ الكتب الصادرة في هذا السياق تحفظ ذاكرة الأَمس إِلى أَجيال المستقبل، وغالباً إِلى أَجيالٍ لم تولَد بعد، لتكونَ خبز المعرفة عند الجوع إِلى معرفة الماضي.
بين الكتُب في هذا الموضوع: “الإِرثُ الوطنيُّ الثقافيُّ في لبنان والأُردُنّ والعراق – تاريخٌ مُشْرِق وحضارةٌ مضيئة” من وضع رندة أَديب جَرُّوس وصبحي حسين عبدالوهاب الهندي، صادراً عن منشورات “جَرُّوس ﭘـْرِس” في 176 صفحةً حجماً مربَّعاً وإِخراجاً أَنيقاً ووثائقَ وصُوَراً ملوَّنةً من المواقع الأَثريّة والسياحيّة في الثلاثة البلدان بدعمٍ ومساعدةٍ من وزارات السياحة والثقافة فيها.
ولأَنَّ “حرف من كتاب” تَعهَّدَ عرضَ كتُبٍ عن لبنان دون سواها، أَقطفُ من هذا الكتاب حصةَ لبنان فيه وهي غنيَّة.
يفتتح الكتابَ فصلُ “التراث الوطني ثروةٌ حضارية وعمرانية في خدمة التنمية المستدامة” تنويهاً بالمؤتمر العام لمنظمة الأُونسكو في دورته الحادية والثلاثين سنة 2001 حين اعتُمد “الإِعلان العالمي للتنَوُّع الثقافي” باعتباره “ثروة العالم المشتركة لتعزيز مبادئ حوار الحضارات، أَفضل وسيلة لضمان السلام ورفض مقولة النزاعات بين الثقافات”. من هنا أَنّ “حفظ التراث المشترك للإِنسانية واجبٌ أَخلاقيّ ملزِمٌ لا ينفصل عن احترام كرامة الإِنسان وقِيَمه”. وتتوالى في هذا الفصل، توازياً مع النص، صورٌ من زحلة وطرابلس وسراي بعبدا ومغارة جعيتا وحرفة النجارة في صيدا ووسط بيروت الحديث وكتابة تاريخية نادرة منقوشة في مسجد النبطية.
يليه فصلٌ ثانٍ: أَهميةُ فكرةِ توثيق التراث الوطني والحفاظ عليه، تتخلَّله صوَرٌ من فولكلور لبناني، وحرفة الحياكة في بعلبك، ولباس أُنثوي تقليدي في آثار عنجر، وصناعة الفخار في جسر القاضي، والسوق العتيق في زوق مكايل.
وفي فصل ثالث: محاولات ترويج فكرة الإِرث الوطني ونتائجها، وتُرافق نصَّه الموثَّق صورٌ ترويجية من متحف سرسق في بيروت، ومن عاليه، وراشيا، وسراي الأَمير بشير في حاصبيّا، وسراي فخرالدين في دير القمر.
وفي فصل رابع: المرتَكَزات الضرورية لمقاربة الإِرث الوطني مع صوَر حجر الحبلى في بعلبك ومغاور الصخر في أَميون/الكورة.
في فصل خامس: المعالم التراثية والتاريخية في واقعها الحاضر وما يتهدَّدُها من احتضار الموروث رغم محاولات الحفاظ عليه، انطلاقاً من مفهوم “التراث الوطني” وفق اتفاقية “حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي” كما أَقـرّها مؤتمر الأُونسكو سنة 1972 على أَنّ فيه “تنمية القدرات الإِدارية والفنية لرعاية المواقع الأَثرية والمدن التاريخية، وتطبيق سياسة إِنمائية لتطوير جوانب طبيعية ومادية وغير مادية تشكّل الإِرث الوطني العام”. ومن صُوَر هذا الفصل بيتان تقليديان مرمّمان في ضهور الشوير ومرجعيون. ولخصائص الإِرث الوطني الحضارية نصٌّ يتوازى مع صوَر الثلج في ضهر البيدر، وسهول عكار، وبحيرة عمّيق في البقاع.
والفصل الأَخير في الكتاب لـسْتراتيجيا دولية شاملة تحفظ الإِرث الوطني فيبقى على اللائحة العالمية لهذا الإرث، وتذكِّر بمقولة الكاتب الداغستاني رسول حمزاتوف: “من يصوّب رصاصة على الماضي يُطْلق مدفعاً على المستقبل”.
ختام الكتاب نصوصٌ وصوَرٌ سياحية وتاريخية من عنجر وبعلبك وجبيل وصُوْر والوادي المقدَّس وصيدا وطرابلس والبترون ونهر العاصي ونهر ابرهيم ونهر الكلب ومحمية الشوف وجزر النخيل قبالة طرابلس.
كتابُ “الإِرث الوطنيّ الثقافيّ في لبنان والأُردُنّ والعراق – تاريخٌ مُشْرِق وحضارةٌ مضيئة” منارةٌ سياحيةٌ تاريخيةٌ نابضةٌ يعاد إِليها للاستنارة بضَوء التاريخ الـمُشِعِّ على غدٍ آتٍ، حتى تكون – وتبقى – له ذاكرة.