نُصرةُ الإِنسانية
السبت 4 أيار 2013
-792-
طيلة هذا الأُسبوع لبّى 20 أَلف مواطن من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأُستراليا ونيوزلندا حملة “العيش تحت الخَطّ” أَن يعيشوا بدولارَين يومياً مأْكلاً ومَشْرباً ليكونوا تحت خط الفقر.
قام بالحملة “المشروع العالمي لمحاربة الفقر” مواصلاً فكرة الأُونسكو بـ”اليوم العالمي لمحاربة الفقر” (17 تشرين الأَوّل كلّ عام). وكان البنك الدولي أَصدر بياناً سنة 2005 حدَّد فيه خط الفقر بدولار وربع دولار يومياً.
غاية الحملة: “ضرورةُ فهْم الفقر لإِمكان محاربته”. فلا يعرف وجَعَ الفقْر وَجُوعَهُ وذُلَّه إِلاّ مَن يعيشه. ولا يكفي “السخاء” على الفقراء بـمِنّةٍ أَو إِعاشة أَو مُساعدة، بل يجدرُ اختبارُ هذا الوضع القاهر يعانيه مليار ونصف مليار إِنسان على هذا الكوكب يعيشون تحت خط الفقر.
الحملة حرّكَت منظمات عالمية مماثلة: “اليونيسيف”، “أَنقِذوا الطفولة”، “أُوكسفام” (جمعية أُكسفورد للتضامن الدولي ومحاربة الجوع”، “مؤَسسة الأَب ﭘــيار”، … فسرى الخبر في صفوفِها وتحرَّك الآلاف لـ”عيش هذه التجربة” ومعاينة أَن الفقر حالةٌ تُمكن معالجتها بوسائط وطرائق إِنسانية بسيطة إِنما فاعلة.
الإِنسانية، قلتُ؟ وإِنها كذلك. فما جدوى العمل لحقوق الإِنسان، وفي الشوارع والنواصي مشرَّدون يبحثون في أَكوام النفايات عن لقمة ولو مبلَّلة بالتلوُّث؟
إِنسانية الإنسان تبدأُ من هنا: من الطبيعة الأُولى، من العودة إِلى الحضيض. في الطبيعة الأُولى يتساوى الجميع، فالفقر لا دينَ له ولا مذهبَ ولا طائفةَ ولا وطن. الفقْر غُربةٌ داخليةٌ قهّارة هي أَقسى من تلك المكانيّة. في الغربة الداخلية ذُلٌّ مكتوم، وَجعٌ صامت، جَلاّدٌ أَخرس، طاغيةٌ شَبَحيّ لا تُمكن مواجهتُه إِلاّ بتحريك الآخرين وتوعيَتهم وتحفيزهم.
مَن جاعَ يوماً واحداً يذوقُ مشهدَ أَن يلتقي بفقير. والذين عاشوا طيلة هذا الأُسبوع بما سوى 10 دولارات لكل الأُسبوع، سينصرفون بعدَه حتماً إِلى المساعدة والتبرُّع ودعْم منظّماتٍ وجمعياتٍ إِنسانية تُساعد على محاربة الفقر ومواجهة الجوع.
الراتعون في الراحة لا يُدركون مذاق التعب. وخصوصاً مَن هُم في القرار ويتسلّطون على الضعفاء والفقراء والمشرَّدين حارمينَهم من حقّ الصراخ جوعاً والتضوُّر فقراً عوضَ العمل على إِيواء المشرَّدين وتأْمين الأَقلّ الأَقلّ من مساعدة المعوزين.
المجتمعُ المدني، في هذه الحالات، أَقوى من الدولة، لأَنه يتحسَّس من تحت، من القاعدة، آلامَ المقهورين.
وهذا ما يستدعي تَبَنّي هذا النوع من الحمَلات والتجاوب معها، فيكونُ الإِنسان حَقاً أَخَا الإِنسان، وتتلاقى الأَديان والمذاهب على نُصرة الإِنسانية.
وهو هذا معنى العطاء الحقيقي: زَ كَاةً وإِحساناً، عنوانَين مُضيئَين لإِنسانية الإِنسان.