1096: الفروتوكس Frotox

الحلقة 1096: الفروتوكس Frotox
الأَربعاء 24 نيسان 2013

درَجَت طويلاً مُوضةُ البوتوكس حتى شملَت الرجال بعد النساء وباتت وجوه الناس متشابهةً “بوتوكسياً”.
وككُلّ موجةٍ تعلو، ومهما طال علوُّها تعودُ فتهبِط وتزول على رمال الشاطئ، وُلدَت أَخيراً مُوضةٌ جديدة هي “الفروتوكس”.
وإِذا كانت مَهمَّة البوتوكس ذاتَ آثارٍ جانبية على المدى الطويل، فيبدو أَنّ هذا الفروتوكس الجديد لا آثارَ جانبيةً له، بل يعالِج التجاعيد بِحُقنة تحت الجِلْد تستهدفُ الأَعصابَ المقصودةَ في مكانٍ محدَّدٍ من الجسم وتَنْفُثُ فيه شُحنة بَردٍ قارسٍ تَفْعَل فِعْلَ البرد عند الوقوف الطويل خارجاً في طقس الصَّقيع الـمُثْلِج، فَتَتَخَدَّر الأَصابع من البرد وتتجمّد عاجزة عن الحركة. هكذا الأَعصابُ التي تصيبها حقنة الفروتوكس تَتَخَدَّر أَشهراً طويلةً وتسترخي عضلاتها فلا تَنهشها التجاعيد التي تقضم الأَعصاب الدافئة.
إِذاً مَهمَّة الفروتوكس تجميدُ الأَعصاب. وبعدما كانت تقنيةً يَستخدمها الأَطبّاء لتخفيف آلامٍ ناجمةٍ عن الاضطرابات العصبية، باتت اليوم متوفِّرةً بين مستحضرات التجميل. وأَظهرَت إِحصاءاتُ العيادات المختصَّة أَنّ العملية غيرُ مؤْلِمة، خاليةٌ من السموم، وسريعةُ النتائج بالقضاء الفوريّ على التجاعيد، عكس البوتوكس الذي لا تَظهر نتائجُه إِلاّ بعد أَيام.
نستنتج من كل هذا أَنّ الفروتوكس هو وضعُ الأَعصاب في ثلاّجة الانتظار الدائم المتكرّر المستدام في انتظار الحلول المجمَّدة.
وما يَنطبقُ على فردٍ في عيادة، ينطبق على أَفرادٍ في عيادات، وتَوسُّعاً واستطراداً ينطبق على شعبٍ كاملٍ في وطن.
وطالما نحنُ، في هذا الوطن السعيد، نعاني من الجُمود والجَماد والتجميد: في تشكيل الحكومة، في قانون الانتخاب، في حلول الأَزمات الأَمنية، في إِيجاد تدابيرَ حازمةٍ لحوادث الخطف والتعدِّيات والتجاوزات والاعتصامات والإِضرابات وسائر ضروب العصف الأَهوج الذي يضرب شعبنا في صميم حياته اليومية، فشعبُنا كلُّه إِذاً في حاجة إِلى فروتوكس يُخدِّر أَعصابه ويَشُلُّها ويُنقذُهُ من الانفعال والانفجار غضَباً وثورةً وانتفاضات، فيضع شعبُنا أَعصابه في ثلاّجة الانتظار كي يتحمَّل الجُمود والجَماد والتَّجميد والتَّجمُّد وسائر جمادات مسؤُولين يُراوحون في مكانهم، ويَدورون على أَجسامهم كالدراويش: حلَقاتٍ حلَقاتٍ حلَقاتٍ، ودوراتٍ دوراتٍ دوراتٍ، يوميةً يوميةً يوميةً، بتصاريحَ وبياناتٍ واجتماعاتٍ ولقاءاتٍ ومؤتمراتٍ ونَدواتٍ وبلاغاتٍ و”وُعودات”، حتى يَدوخَ الشعبُ وهُم لا يدوخون من التكرار والتكرار والتكرار، لا يُقْدِمون ولا يُقَدِّمون ولا يتقدَّمون، بل يَجْعلون الوطن على صورتهم ومثالهم: جامداً مجمَّداً متجمِّداً جَموداً.
وطالما بات أَكثرُ الشعب متشابهاً “بوتوكسياً”، فلم يعُد أَمامَه إِلاَّ أَن يعتمدَ العلاجَ الجديد فيتشابَهَ “فروتوكسياً” حتى يُخَدِّر أَعصابه ويضَعَها في ثلاَّجة الانتظار أَملاً بِمَجيء مسؤُولين غيرِ مُـخَدِّرين ولا مُـخدَّرين، يُحَرّكون الوطن من الجُمود فيتحرَّكُ الشعب من التجمُّد وينطلقُ صوب مستقبل أَبنائه في وضْعٍ مشْرقٍ متحَرِّكٍ حَرَكي لا يُشَوِّهُهُ “بوتوكس”، ولا يُخَدِّره “فروتوكس”، ولا يَخاف أَبناؤُه من أَيِّ “بوكس” يُعيدهم إِلى التأَرجُح بين اللاقانون أَو قانون “الأُورثوذُكس”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*