من علامات التأْثير الجامعيّ أَن تعمَد جامعةٌ إلى إِصدار سلسلة منشوراتٍ أَكاديميّةِ الطابَع، ثقافيةِ المضمون، تثقيفيةِ الشّكل، تبقى للجيل الجديد ذُخراً مثقِّفاً على الـمُستوى الأَعلى.
هذا ما تقوم به، كبعض شقيقاتِها، الجامعةُ الأَنطونية – بعبدا، في سلسلة منشورات “إسْم عَلَم” أَصدرت منها حتى اليوم ستةَ أَجزاء نسَّقَتْها وأَشرفَت عليها نائبةُ رئيس الجامعة للشؤون الثقافية الباحثة ﭘـاسكال لَـحُّود.
هدفُ السلسلة أَنّ “أَفضل تكريمٍ للمفكِّر هو التفكيرُ في نتاجه تأْكيداً على الارتباط العُضْويّ بين الشخص والنتاج”، بدعوة مُعاصريه إلى مناقشته تَحليلاً ونقداً، فيحملُ كلُّ جُزءٍ نصوصاً تحليلية في نتاج الـمكرَّم، وشهاداتٍ من أَقرب عارفيه، ونبذةً عنه حياتيةً وإنتاجيةً في سيرةٍ موجَزةٍ لكنها وافيةُ الدلالة، وكلُّ ذلك في إِخراجٍ بسيطٍ على أَناقة.
بهذا المفهوم صدَرَت الستةُ الكتُب السنوية بدءاً من 2008، وهي على التوالي:
– “ناصيف نَصَّار: عَلَمُ الاستقلال الفلسفي”.
– “جورج قُــرْم: علَمُ الأَصالة المنفتحة”.
– “بولس الخوري: فيلسوفُ اللاكَمال”
– “أَنطوان حميد موراني: علمُ كنيسة الرّجاء”.
– “أَحمد بيضون: عَلَمُ المعاني والمباني”
– “جورج خضر: أُسقف العربية”.
في كُل جُزءٍ نصوصٌ نقديةٌ معمّقةٌ في العَلَم الـمَعنيّ، تعالج فكْرَه من وُجُهات مختلفة، وتحلِّل نتاجه في عُمقٍ أَكاديميٍّ بحثيّ يخرجُ القارئُ منه مُطَّلعاً وافياً على العَلَم، وتأْتي شهاداتُ أَصدقائه وعارفيه تُضفي على الدراسات الـمُعَمّقة بُعداً شخصياً خارجَ كتاباته، فتكتملُ الصورة شخصاً ونِتاجاً، ويكتملُ الكتابُ هيكليّةً ذكيةً تُبقي للمكتبة اللبنانية أَثَراً جِدِّياً جديراً بالحفظ والعودة إليه في مناسبات الكتابة أَو الـمَرجعية.
ويلفتُ في السلسلة توحيدُ الغلاف الأَوّل إِخراجاً، والقطْعُ الوسَطُ حَجماً، وتقارُبُ الصفحات عدداً بين الجزء والآخر (بين 260 صفحة و350 صفحة)، كما تلفتُ في الغلافَين الثاني والثالث أَغلفةُ مؤَلَّفات العَلَم لتزيدَ من بَصَريّة الـمُقاربة وتكريم كُتُبه.
وعلى الغلاف الأَخير نبذةٌ في العربية والفرنسية تعريفيةٌ عن العَلَم في بضعةٍ من أَسطُرٍ مُشْرِقة.
لافتٌ آخر في الكتب: صدورُ بعضِها طَبعةً ثانيةً في ما سوى سنةٍ أَو سنتَين على صُدور الأُولى، ما يعني رواجَها في صُفوفِ الـمُهتمّين والـمَعنيين، وما يؤكِّدُ أَنّ الكتابَ الرصينَ يجدُ دوماً طريقَه إِلى الأَيدي والقُلوب.
هذه البادرةُ من جامعةٍ رصينة، تَملأُ فَراغاً أَدبيّاً وأَكاديميّاً نفتقده لدى دُور نَشْـرٍ لم تَعُد حالياً تُعير اهتماماً، كما مِن قَبل، لكُتُبٍ أَدبيةٍ لا تَرى لها رَوَاجاً يُعيدُ إِليها كُلْفَتَها فَتُشيحُ عنها إِلى الأَكثَرِ رَوَاجاً ولو الأَقَلِّ جُودة.
لذا تأْتي المنشوراتُ الجامعيةُ التي لا تَبغي الرُّبح، فتنشرُ القَيِّم الإِبداعيّ، وتُبْقيه في الذاكرةِ الوطنيةِ والفرديةِ أَثَراً ما كان يُمكنُ أَن يَصدُرَ لولا بادرةُ الجامعة، ما يَجعلُ رسالةَ الجامعة أَبعدَ من مُحاضرةٍ في قاعة، أَو شهادةٍ في احتفالِ تخرُّج، ليكون الزرعُ الجامعيُّ في حقلٍ خصيبٍ بالجنى، على كُلّ بيدرٍ وصُولاً إلى كُلّ حَصاد.
وهي هذه، في جَوهرها، علامةُ الجامعة الحقَّة.