785: “أكاديميا النهار”

“أَكاديميا النهار”
السبت 16 آذار 2013
-785-

في منطق الصحيفة أَن تكونَ منبراً لأَقلامٍ تحبو أَو تَنشُر أو تنتشِر، فتكون الصحيفةُ واسطةً لإِطلاق أَو وسيلةً لشُهرة.
وبين خدمات الصحيفة أَن تكون مَـحفوظاتُـها الـمُفهرَسَةُ الـمُرتَّبةُ الـمُنسَّقَةُ ذاكرةً لعصرها يُعادُ إليها دراسةً أَو استعادةً مرجعية.
غير أَنّ “النهار” التي، منذ 80 عاماً نذَرَت الريادة في مسيرتها، تَنقُل الصحيفة من منطق “الـمنبر” و”الذاكرة” إِلى منطق “الأَكاديـميا”، ظاهرةً جديدةً تضاف إِلى طليعية رسالتها الـتُوَينيَّة منذ جبران الـمُؤسّس إِلى غسان الناشر إِلى جبران الحفيد الشهيد.
إِنها “أَكاديـميا النهار”: دوراتٌ لـ”الجميع من مختلف الأَعمار، مبتدئين وغير مبتدئين” تهدُف إِلى التنمية الفكرية والثقافية، وتغذية الـدُرَب لدى الموهوبين التوّاقين إلى صقل مهاراتهم و”تخريج” طلاّبها في نهاية كلّ دورة أَكثر تَـمَكُّناً في استخدام دُرَبِـهم.
هذه مؤسسةٌ صحافية تُسْهم في ترقية المجتمع بتدريب أَفراده وتوسيع آفاقهم في الحقول المعرفية من ثقافة عامة وفوتوغرافيا وسينما (تقنيةً وتاريخاً) ولغة إِنكليزية (مهنية ولغوية) ولغة عربية وصحافة وإذاعة وتلـﭭـزيون ورسم وطهْو وإِعلامياء (تكنولوجيا معلومات) وإِعلام اجتماعي وتواصُل وتسويق وترويج سياسي واقتصاد وتاريخ الشرق الأَوسط وتاريخ لبنان منذ 1975 وتاريخ لبنان عبر أَرشيڤ “النهار” منذ صدورها (1933).
اللافت في هذه الدورات أَن يتولى إِعطاءَها صحافيُّون متمرِّسون من “النهار” ضليعون في اختصاصاتهم، فيكون للطلاَّب أَن يتعرَّفوا إِلى مَن يقرأُون لهم ويتابعوا تحاليلهم فيتأَثّروا بها وقد يتداولونها، وأَن يتلقّوا دروس الدورة من مراجع ثقة يتأَثَّرون بهم ويخرجون من الدورة حاملين زاداً واثقاً يغذِّي تداولهم اللاحق في استخدام ذاك الزاد.
هذا الأَمر يعيدنا إلى رُوّاد في تاريخ صحافتنا لم ينتسبوا إِلى معهد صحافة ولا إِلى “أَكاديميا” متخصّصة، بل كانوا في معظمهم أُدباء وشعراء وكُتّاباً متمكِّنين أَسبَغوا على صُحُفهم مسحةَ اللغة السليمة والأَدب العالي حتى في مقالهم اليوميّ السياسيّ وتعليقهم على الأَحداث. ومن ذاك “الرعيل الـمُبارك” تَـخرَّج رعيلٌ لاحقٌ تأَثَّر بهم وأَثَّر في أَترابه والجيل الأَصغر.
هنا أَهميةُ “أَكاديميا النهار”: أَن تحملَ إِرث الرعيل المبارك وخرّيجيه، وتقدّمَ إلى طلاّبها وقاصديها زبدة الإِرث وخلاصةَ تجاربَ غاليةٍ كلّفت الآباء الـمُؤسّسين جهودَ عمرهم يَـجنيها طلاّب الـ”أَكاديـميا” بأَغمار الحصاد على بيادر التجربة.
وأَكثر: فيما لبنان اليوم ينزلق بين أَكاديـميات الليل في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكلِّ حقلٍ يَـيْـبَـسُ فاقداً خميرةَ التجربة الإِيجابية، تأْتي “أَكاديـميا النهار” فجراً جديداً يَصيح فيه ديكٌ جديدٌ فيَطلعُ النهار على جيلٍ جديدٍ يَتَهيَّأُ أَن يكون بِدَوره رَعيلاً مُبارَكاً في الآتي من الأَيام.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*