إِيضاح والْتِماس واستسماح
السبت 9 آذار 2013
-784-
(أَمس الجمعة كان “يوم المرأَة العالـمي”)
في 20/10/1892 ظهَر في الإِسكندرية أَوَّلُ عدد من أَوَّل سنة من أَوَّل مجلة نسائية: “الفتاة” أَصدرتْها اللبنانية هند نوفل.
تَعنينا منها اليوم افتتاحيةُ العدد الأَوَّل: “إيضاح والْتِماس واستسماح” وفيها، بعد إِيضاح “هدف المجلة” أَنها “للسيِّدات الفاضلات والأَديبات، وتبحث في قضايا المرأة”، جاءَ “الْتِماس صاحبة العصمة والدولة مولاتي والدة الجناب العالي، نرفع هذه الجريدة لمقامها الشريف، أَدامها الله مع كريمتها ذات الصون والعفاف”، ثم كان الـ”استسماح” أَن تَتفيَّأَ الجريدة “ظلّ اللواء الحميدي لواء سيدنا السلطان عبدالحميد خان الغازي أَيّد الله ملكه مدى الدوران”، وأَن تَصدُر “في السنة الأُولى من تَوَلّي سموّ خديويّنا المعظَّم عبّاس حلمي الثاني الأَريكة الخديوية فتكون جريدة لا غرض لها في الأُمور السياسية ولا في المشاحنات الدينية بل تتوجّه إلى السيدات الفاضلات فتدافع عن حقوقهنّ وتبحث في آدابهنّ وتنشر صنائعهنّ ومحاسن أَعمالهنّ…”.
كان من الطبيعي أَن تتوجَّه هند نوفل إلى “أَصحاب المقامات” عصرئذٍ، ولو انها مهّدت بأَن “المرأَة نهضَت من وراء الحجاب متحلّية بقلائد الفضل والآداب، يرآها الرجل ملاكاً بثوب إِنسان يتجلى أُقنومُ جَـمالها الباهر بسنى اللطائف وأَشعّة العرفان”.
وكان من الطبيعي أَن تُعَنْوِنَ افتتاحيَّتها “إيضاح والْتِماس واستسماح” كي تَأْمَنَ ردودَ فعلٍ ذُكوريةً تُعيق انطلاقتها في مجتمع كان في مصر الخديويّ أَرحبَ من لبنان العثماني، لكنه باقٍ تحت سلطة الرجل ذي “شدّة البأْس والنشاط والإِقدام” (الافتتاحية ذاتها). ولذا “استسمَحَت”، كما ببعض خفر رغم جرأَة الخطوة الصحافية، مَن وجدَت أَنها ستستظل رضاه.
بعد 120 سنة على هذا الكلام هل خرجَت المرأَة العربية من رهبة “استسماح” البعل للإِقدام على خطوةٍ تأْتيها “راجيةً من سادة الفضل والعلم إِغماض الجفن عن هفواتها”؟ (الافتتاحية ذاتها).
والمرأَة الغربية التي تشبّهت بها هند نوفل قبل 120 سنة كي تبرّر انفتاحها على الكتابة “لأَن أَعظم نساء الإِفرنج عِلْماً وأَدباً وأَرفعَهُنَّ حسَباً ونسَباً يشتغلن بالكتابة والتأليف” (الافتتاحية ذاتها)، هل تبرِّر اليوم تحرُّر المرأة العربية؟
لن أُفصِّلَ أَوضاع المرأَة في دولٍ عربيةٍ تَصفعُ إِحصاءاتُها بنسبة أُمِّيَّتِها وقصورها عن بلوغ حريتها.
لكنني أَعود من 120 سنة “الْتماس واستسماح” لأَرى أَنّ الذي عليه اليوم طلب “الالتماس والاستسماح” هو الرجل (لا المرأة) على تقصيره المتمادي تجاهَها، هو الذي لا يزال في مجتمعه الذُّكوريّ يعامل المرأَة بطريركياً فتضطرّ، عند كُلّ خطوة، أَن تتقدَّم منه بـ”الالتماس والاستسماح”، فيما هو المفروض اليوم أَن يلتمسَها ويستسْمِحَها.