حرف من كتاب- الحلقة 103
“دليلُ الجيل الجديد إلى لبنان القديم”- نينا جدجيان
الأَحـد 10 شباط 2013

تواصل نينا جدجيان كشْفَها كنوزَ لبنان الأَثَرية في مواقعه التاريخية. فبعد مؤلَّفاتِها القيّمة عن بيبلوس وصور وصيدا وبيروت وطرابلس، وهي باتت مراجعَ عالميةً عن ذاكرة لبنان التاريخية والأَثرية، طالَعَتْنا بكتابٍ جديدٍ، للأَولاد هذه المرّة، عنوانه “دليلُ الجيل الجديد إلى لبنان القديم”، صدَر سنة 2007 بالإنكليزية في بيروت عن “دار يوكي للنشر” (أَصدرَت صيغةً له عربيةً وضعتْها جُوَان فرشَخ بَـجَّالي سنة 2009 ضمن أَنشطة “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”). النصُّ الإِنكليزي الأَصلي في 64 صفحة حجماً كبيراً، متسلسلٌ بحسَب الأَحرف الأَبجدية اللاتينية الستة والعشرين، ولكلّ حرفٍ نصٌّ تقابله صورةٌ من آثار لبنان بكاميرا طوني فرَّاج.
مَطلع الكتاب تصديرٌ من نينا جدجيان تُخاطب فيه الأَولاد: “حين ترتَقون دَرَجَ متحف بيروت الوطني وتعبُرون مدخله بين أَعمدته المهيبة، تدخلونَ عالَماً من السحْر والجمال، تنكشِفُ لكم فيه آلهةٌ وآلهاتٌ من العالم القديم، وملوكٌ وناسٌ عاديون، وتكتشفون تماثيلَ حيواناتٍ مرمريةً وبرونزيةً وفخّاريةً من آلاف السنين نَحَتها حِرَفِـيُّون عاشوا على أَرضنا. إنه تراثٌ ثقافيّ تعتزّون به”.
وتعود نينا جدجيان فتخاطبُهم في المقدمة: “أَوّلُ ما تتعلّمونه في المدرسة: حروفُ الأَبجدية، وهي اختراعُ فينيقيين بحّارةٍ مغامرين انطلَقوا إلى العالم من شواطئ لبنان. صحيحٌ أَنْ كان قبل الفينيقيين عالَـمٌ قديمٌ له أَبجدياتُهُ لكنّ هذه كانت مجموعةَ أَشكالٍ ورموزٍ وخطوطٍ مُعقّدةٍ يقتصر فهمُها على القلّة، حتّى جاء الفينيقيون نحو سنة 1200 ق.م. فاخترعوا 22 حرفاً لكلِّ حرفٍ صوتُه الخاص، ما سهَّل الكتابةَ وعمَّمها على جميع الناس. ثمّ حمل أُولئك البحّارة والتجّار الفينيقيون تلك الأَبجدية الناطقة إلى أَقاصي المتوسّط مروراً باليونان بلوغاً إلى الرومان وصولاً إلى مقلب المحيط الأَطلسي. ولولا الأَبجديةُ الفينيقيةُ لكانت الحضارة الغربية مختلفةً تماماً عمّا هي اليوم. فتعالَوا معي، أَيّها الأَحبّاء، إلى جولةٍ في متحفنا الوطني نكتشفهُ عبر كلّ حرفٍ من حروف هذه الأبجدية”.
بهذا الأُسلوب البسيط التربويّ، السّهلِ نصّاً والجميلِ صُوَراً، يتهادى كتاب نينا جدجيان: انطلاقاً من ناووس أَحيرام (ملك بيبلوس) وعليه الأَبجدية الفينيقية من القرن العاشر قبل المسيح، مروراً بثَور فينيقيّ من القرن الخامس قبل الميلاد كشفَت عنه حفريات صيدا، وبعده تمثالٌ ضخم من القرن الثامن قبل الميلاد كشَفَتْه حفريات جبيل، فـبطّةٌ عاجيَّةٌ من مكتشفات كامد اللوز ترقى إلى العصر البرونزي، ونصل إلى معبد أَشمون من منتصف القرن الرابع قبل الميلاد في بستان الشيخ قرب صيدا ، فإلى تـماثيلَ فينيقيةٍ صغيرةٍ من العصر البرونزي في مكتشفات جبيل، ثمّ زجاجياتٍ من القرن الثالث قبل الميلاد في عبرا قرب صيدا، فإلى تمثال هِيجِيا إِلهة الصحّة من العصر الروماني في مكتشفات جبيل، وإلى جانبها مُجَوهراتٌ نادرةٌ وأَحجارٌ كريمةٌ وجِدَت من مكتشفات بيروت القرن الخامس قبل الميلاد، ثم بلاطة “حارس الهيكل” من العصر الهيلّينيّ بالحفر النافر، وقُربَها ناووسٌ مرمريٌّ عليه أُسطورة أَشيل من مكتشفات صور في القرن الثاني قبل الميلاد، فقناعٌ ذهبيٌّ من الحِقْبة الرومانية وُجِدَ في أَرض بعلبك، فتمثالٌ مرمريٌّ مقطوعُ الرأْس لعروسٍ تَحملُ صَدَفةً وجِدَ في جبيل من العصر الروماني، وبعده تمثالٌ مرمريٌّ لطفلٍ يُمسك بحمامةٍ في معبد أَشمون كشَفَتْهُ حفريات بستان الشيخ قرب صيدا من القرن الخامس قبل الميلاد، وصولاً إلى سجّادةٍ فسيفسائية من القرن الخامس قبل الميلاد.
وتتوالى كنوزٌ بَعدُ (منها أَبو الهَوْل والإِلهةُ ﭬـينوس وعربةُ خيل وعاشقَان على غطاء ناووس، وكبيرُ الآلهة زوس،…) ومكتشفاتٌ أُخرى يُبرزُها هذا الكتاب بأَناقة إِخراجه وبساطة نصوصه وجمال صُوَرِه حتّى لَـهْوَ كتابٌ ضروريٌّ لأَولادِنا في المدارس والبيوت، كي يكتشفوا ماضياً لوطنهم لبنان مُشَرِّفاً ومُضيئاً يَجعلهم يعتزّون بأَن يكونوا لبنانيّين فيَعملوا حين يكبرون للحفاظ على هذا اللبنان الخالد: كَنزَ كُنوزٍ بين الأَوطان، وثروةً نادرةً من مُشرِّفاتِ التراث العالَـميّ.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*