773: لسانُنا، هويّــتـُــنا؟

لسانُــنا، هــويَّــتُــنا ؟
السبت 22 كانون الأول 2012
-773-

عابراً مرّ عندنا “اليومُ العالَـميُّ للّغة العربية” عيَّنتْه الأونسكو في 18 كانون الأول كلّ عام (“أَزرار” السبت الماضي).
وهذا “الـمرور العابر” إهمال يطال لغة التواصل والاتصال لشعوب تتوزَّع على بلدانٍ عربيةٍ تنطبع هويّـتُها بِــلُغَـتها.
هل نحن نـخدم هذه اللغة في مدارسنا ومـجتمعنا؟ هل “نَـخْدُمُنا” باحترامها والحفاظ عليها، أَي على لساننا، أَي على هويَّــتنا، في ما بيننا أَولاً، ثم بيننا وبين العالم؟
اللغة الهجينة التي نسمعها – خصوصاً في صفوف جيلنا الجديد – خليطاً بين عربية عوجاء ولغات أَجنبية في كلمات مبعثرة بين لغة وأخرى فلا هوية للُغة التخاطب، أَليست تهديداً بانقراض اللسان واندثاره؟
في دراسة سابقةٍ أَنّ اللغة العربية تواجه خطر الاندثار. وهذه حصيلةٌ مبنية على وقائع وإِثباتات واستطلاعات. لكن العربية ليست إلى اندثار حين نُـمسك بها لغة تَـخاطُب وتَوَاصل واتصال مع العالم. وهنا دور التعريب الذي يغْني اللغة لا وسيلةَ نقل النصوص الأَجنبية إليها، بل غاية في ذاتها تـجعل النص العربي معتزاً بِــلُـغَته حَــدَّ النص الأَجنبي المنقول منه.
الترجمة خيانة؟ مش صحيح. حين المترجم سيّدُ لغته واللغة التي ينقل منها، يُطلِع النصَّ المترجَم قطعة أَدبية راقية، كما يَـجعل النص العلمي مرجعاً فيلولوجياً لسواه، حين يشتقُّ في لغته عباراتٍ وتعابيرَ وكلماتٍ تُـغْني لغتَه لِـمن بعده.
التعريب لغةُ تَوَاصُلِنا مع العالم، والترجمةُ من لغتنا إلى لغات الآخرين جسرُ تَوَاصُل مع العالم، لأَن اللغة ناقلُ الحضارة الأَول.
الـمهم أَن نـجعل لغتَنا غايةً في ذاتها لا مُـجرّد وسيلة. غاية نرقى بها ومنها وإليها، لا نستهين بها، فهي لسانُنا ووجهُنا وصوتُنا وهويّــتُنا التواصلية الحضارية مع العالم.
اللغةُ ليست وسيلةً فقط للكتابة، وما أَفقرها اليوم لدى الجيل الجديد. وليست سلعةً فقط للاستهلاك، وما أَتعسها اليوم تنتهك الكتابـيّ لتبلغ الشفاهيّ، كاستخدام الهمزة مثلاً عوض القاف في إِعلانات تجارية تتوسَّـل المضمون وتدوس على الشكل.
في السائد أَنّ “وطن الإنسان لغته”. وهذا صحيح، فكيف يستهين الإنسان بِــوطنه وهويَّــته وحضوره إذ يستهين بِــلُـغَته؟
والاستدراك يَـجب أن يبدأَ من المطالع، من الصغار في مدارسهم، في كتبهم المدرسية، في تدريسها الجذّاب، في حصص اللغة العربية الآخذة في التضاؤل أَمام حصص اللغات الأَجنبية وموادّها.
ومتى أَخذَت لغةُ التواصل بالهزال بين أَبنائها ولا من ينهض إليها، فأَبناؤُها آيلون إلى هجرةٍ لغوية وغربة حضارية قد تَضَعُهم غرباء على أَرصفة الآخرين، ولن يُنقذَهم منها امتلاكُهم لغاتِ الآخرين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*