هــل فعلاً يـحُــقُّ لنا؟
السبت 1 كانون الأول 2012
-770-
أَكتبُ، أَمامي مـجموعاتُ صحفٍ ومجلاتٍ لبنانيةٍ محتجبةٍ لا أَعرف إن كانت محفوظةً بأَعدادها الكاملة في مكتباتٍ جامعية أَو لدى وَرَثتها، أَو انها اصفرَّت ذابلةً في النسيان كما اصفرّت أَوراقُها من ضجَر الزمان مُغلَقَةً ليس مَن يفتح فيها نافذةً على ضوءٍ أَو هواء.
أَمامي، مثلاً، أَعدادُ “المعرض” و”العاصفة” و”المكشوف” و”زحلة الفتاة” و”صوت المرأة”، وفيها نصوصٌ شِعريةٌ ونثريةٌ لم يُدرجْها أَصحابها في كتُبهم حين أَصدروها مطبوعة.
من هذه، نصوصٌ نشروها في مطلع شبابهم، وحين أَصدروا كتُبَهم كانوا بلغوا نُضجاً أَدبياً لم تَعُدْ تُقنعُه تلك النصوص لينشُروها مع أَترابها اللاحقة عند إصدار الكتاب.
لكنّ من هذه النصوص ما هو بالغٌ نُضجَه الأَدبي حتى فلا فرقَ كبيراً بينها وبين ما نشره أَصحابها لدى إِصدار كتبهم.
يَشغلني فعلاً هذا الأَمر: ما المعيار؟ ما الدافع؟ ما السبب؟
أَفْهَم أَن تكون لنشر مقطوعةٍ في جريدة أو مجلة ظروفٌ دفعتْها فترتَئِذٍ إلى النشر. ولكن ماذا حين ليست كذلك؟
وجدتُ قصائدَ كثيرةً لصلاح لبكي في “المعرض”، وسعيد عقل في “المكشوف” و”المعرض”، والياس أَبو شبكة في “المعرض” و”العاصفة” و”المكشوف” و”زحلة الفتاة”،… لم يُصدِروها في كتُبهم مع أَنّ في معظمها قيمةً شعرية ليست دون ما بلغوه عند إصدارِهم كتُبَهم في ما بعد.
تفصيلٌ ثانٍ قد يكون أَوضحَ تبريراً بين الجريدة سابقاً والكتاب لاحقاً: أَن يعمد الشاعر إلى تنقيحٍ أَو تبديل أَو تعديل أَو ترصيع على قصيدته المنشورة في الجريدة بـما يَظنّ (غالباً معه حق) أَنها صيغةٌ أَفضلُ للنص قبل دخول الكتاب إلى المطبعة، خصوصاً حين صاحبُ النص مُدَقِّقٌ حريصٌ على الإتقان والتنصيع والتنظيف وصقْل النص من شوائبَ تَسقط مع النُّضج والخبرة.
تفصيلٌ أَخير: هل يحقُّ لنا، ونحن نُنقّب عن نُصوصِ كاتبٍ أَو شاعر، أَن نتناولَ نصاً نشَرَه على حياته في جريدة أَو مجلة فنُعيدَ نشرَه بعد غيابه؟ أَنكون خالفْنا مشيئته؟ جرَحنا غيابه؟ أَسأْنا إليه؟ فضَحنا له هِناتٍ بسببِها لم يُعِدْ نَشْر هذا النص في كتابه؟ هل نكون، ولو بِاسْم التحقيق الأَكاديمي والبحث العلمي وذِكْر تاريخِ صدورها، مُـحِقّين في إِعادة نشْر تلك النصوص القديمة؟ وماذا عن نصوصٍ مخطوطةٍ تركَها صاحبُها وغاب؟ أَننشُرُها وقد لا يكون في أَيامه راغباً في نشرها؟
الأَمرُ هنا عائدٌ لـمُعيد النشْر: أَمامه نصٌّ لم يَعُد مُلْك صاحبه الذي نشَره يومَ كان راضياً عليه، فلْتكُن قيمةُ النص اليوم هي معيارَ ناشِره الجديد في غيابِ صاحبِه.