نتعلَّم منه “جميع الحقوق محفوظة”
السبت 24 تشرين الثاني 2012
-769-
وصلَتْني قبل أُسبوعين رسالةٌ إلكترونية من طالبة دكتوراه تضَع أُطروحةً في جامعة مونتريال عن سعيد عقل، قرأَتْ كتابي “سعيد عقل إن حكى” وعرفَتْ علاقتي به فكتبَتْ تسأُلني استئذانه بـموافقةٍ منه خطيةٍ كي تستشهد بقصائد له، كما طلب منها الأُستاذ الـمُشرف على أُطروحتها، رافضاً إيراد مقاطع بدون موافقة الشاعر أَو الناشر.
هكذا العقلُ الغربي يحترم حقوق المؤلِّف، وإذا تعذّرَت فحقوق الناشر.
وهذه نقطة كان سعيد عقل سبّاقاً جميعَ شعراء عصره في التَّنَبُّه إليها منذ مطالعه الأَدبية. ففي نيسان 1935 نشَرَ في “المعرض” قصيدته “الشاطئ” وختمَها بتاريخ كتابتها “بيروت 19 آذار 1935” وبعبارة “محظور النقل”.
وفي العدد الأَول للسنة الأُولى (كانون الثاني 1955) من مجلة “الرسالة” (أَصدرَتْها في جونيه جمعية المرسلين اللبنانيين وأَسندَت رئاسة تحريرها إلى الأَديب جان كميد) مقالٌ لسعيد عقل صفحة 23 بعنوان “إيكايا” ختمَه بعبارة “جميع الحقوق يُحتَفَظ بها. أُجيز لـ”الرسالة” النشرُ مرةً واحدة”. وعاد سعيد عقل فنشَر المقال نفسه في كتابه “لبنان إن حكى” (1960) بعنوان “الطائر العجيب” مُـجرياً، كعادته، تعديلاتٍ وتنقيحاتٍ تجعل النص أَكثر نصاعةً وإبداعاً.
هذه السابقة الدلالية من سعيد عقل، وفيها فرْضُ احترام الكاتب أَو الشاعر نَصّاً وحقوقاً، لم تقتصر على عبارة “جميع الحقوق محفوظة” بل باكراً فرَضَ احترامَه بأَلاّ ينشرَ قصيدةً أَو مقالاً إلاّ ببدَل، لا اطِّلاباً للمال بل لفرْض هيبة الكاتب المحترف، تَوازياً مع أَيّ حرفةٍ أُخرى يمتهنها صاحبُها ومنها يعتاش. وبلغ سعيد عقل في ذلك أَكثر: فرَضَ بَدَلاً حتى على مقابلاته الصحافية والإذاعية والتلـﭭـزيونية، معتبراً أَنه يعيش من أَدبه وتالياً ليس مضطراً أَن يَلجأَ إلى وظيفةٍ أُخرى يعتاش منها لكي يصرف وقتَه وجهدَه على تقديم أَدبه مجاناً لـمن يطلبه.
سبّاقاً من بعيدٍ كان سعيد عقل منذ بداياته الأَدبية، وأَراد يُثبِتُ أَن للكلمة قيمةً معنويةً وأَدبيةً لكنَّ لها أَيضاً قيمةً مادية.
ومَن يتعامل معها على هذا الأَساس يتهيَّب انتهاكَ حرمتها واسترخاصَ طلبها واعتبارَ صاحبها من “تحصيل الحاصل” في استكتابه نصاً، أَو استحضاره مُـحاضراً، وانتقاله إلى منابرَ بعيدةٍ ما سوى بكلمة شُكر “يَـمُون” بها عليه مَن يُـمَنِّنُهُ بها وينتهي الأمر.
بهذا الاحترام على طريقة سعيد عقل، فلْنتعلَّم كيف تكون فعلاً “جميعُ الحقوق محفوظة”، وكيف تنضبط المعايير في احترام الشاعر أَو الأَديب، فنرتاح من هذه الكرنـﭭـالات الأَدبية وفولكلورات الأَلقاب التي تتوزَّع مدحاً وتقريظاً في عشوائية كاريكاتورية.