“باركْ، أللهُمّ أَرضَكَ الفردوسيةَ هذه، رُدّ عنها الضَّيم، واجعَلْ مواهبَ أَبنائها شاهداً على نَوالك وجَمالك. بارِكْهُم أَيُّها النبعُ العظيم. إن الواحةَ التي خَصَصْتَهُمْ بها تَلأْلأَتْ ماءَتُها، وأَزهرَتْ وأَثمَرَتْ وَشَعَّ بريقُ سنابلِها مع الشمس. وإنها كثيرةُ القامات كثيرةُ القِيَم”.
بهذه الفاتحة الأدبية العالية قدَّمَ القاضي الدكتور غالب غانم لكتابه الجديد “بسكنتا القامات بسكنتا القِيَم” مُجَلَّداً في 208 صفحات حَمَلَ أُضمومةً من نُصُوصٍ له في أَبناء بَسكنتاهُ شعَّ فيها أَدبهم، ومنها إلى لبنان، وبعضُهم منها إلى العالم.
34 نصاً في بلاغة الأَديب وميزان القاضي، صاغَها قلمُ الرئيس غالب غانم في عَدالة الإحقاق ورصانة الاستحقاق، وفي جميعِها هيبَةُ ولاءٍ ل”جارة صنين” جبلِ الشعراء وشاعرِ الجبال.
مُكلَّلين بالمجد يُطِلُّون علينا بسكنتاويين من الصفحات المثمرة: عبدالله غانم، ميخائيل نعيمه، رشيد أيوب، ميشال طراد، جورج غانم، سليمان كتاني، روبير غانم، كعدي كعدي، ومُكَلَّلين بوفاء الكاتب للمواهبِ البسكنتاوية يطلون علينا بثمارهم: المطران غي بولس نجيم، ﭘيرون رملي، جان مبارك، صلَيبي خوري، الأخ برنار حبيقة، سبع الهراوي، سامية رملي، اسكندر أبي كرم، صونيا الأشقر، نجاة جدعون، مروان معتوق، وختاماً روحُ الأمكنة: مدرسة يمامة “أمّ جورج”، حديقة عبدالله غانم، ومركز عبدالله غانم مُتحفاً ومركزاً ثقافياً.
وإلى وفاء المؤلّف لَهُم جميعاً يتقدَّم ولاؤُه لها أُمّاً ثانيةً، هو الذي “من لَحمِها وترابِها وصخرِها وأَغصانِ سنديانِها وبَتلات أزاهيرها”، يَحمل أَمسَها وحاضرَها والغد، ناذراً أنه “من عشّاقها وَحَمَلَة رسالتها غيرةً على نهضتها” ساعياً، “في المحافل والمنتديات كما على سهول الورق وأَمواج الأثير وفوق المنابر، إلى الدلالة على بَهائها وأَصالاتها وطوالع النور وكنوز التراث فيها”.
وإذا كانت “القامةُ علامةَ الشخص، والقيمةُ علامةَ المجتمع”، فهذا الكتاب، بين القامةِ والقيمة، ضُمَّةُ وَفاءٍ ووَلاءٍ لبسكنتا الأُم ولبنان الوطن، ويا مرحى بِبَلدةٍ تنثُر قاماتِ أَشخاصها على قِيَم الوطن.
ويا طيبَ البُنُوّة حين سيِّدُ قلَمٍ يستمدُّ سيادةً لأدبه من أرضه الأُم كما استلهم ميخائيل نعيمه شغَفَه بِبسكنتا، وله منها: “نفحاتٌ من زَهْر الوزّال في بسكنتا، وأَنغامٌ من حناجر الحساسين في مَرابي بسكنتا، ونصاعةٌ من مضارب الثلج على شواهق لبنان، وصلواتٌ مُصَعِّدةٌ من نواقيس لبنان ومآذن لبنان تَشهدُ للعَلِيِّ العظيمِ في الغَداة وفي العَشِيّ”.
أو حين يلتحف ببسكنتاه شاعرٌ يغلّ فيها حياً وميتاً، كعبدالله غانم:
“هَون اشْلَحيني هَون فوق التلّ قلبي ملزَّق هَون ما بيفِلّ
بِرْجَع زْهور واعشابْ وعْصافير لِمّن بْمُوت وعْناصْري بْتِنْحَلّ
هون اشلَحيني ولا تقولي راح ما تْكَوَّنِتْ لولا الفساد الرّاح
ولا تْخَمّْنيني بحالتي متعوب حطّاب نَزَّل حَمْلتو وارتاح
أو حين تَحْملُ النوستالْجيا إليها، وإلى شاعِرِها صنّين، شاعراً كرشيد أَيوب يلهَفُ إليها حنيناً مضنياً من أقاصي نيويورك:
ولكنَّ لي في سَفْحِ صنّين موطناً يَعِزُّ عَليَّ أَن أُفارقَهُ غصْبا
إِذا ما ذَكَرْتُ الأَهْل فيه، فإنّني لَدى ذِكْرهِم أَسْتَمْطِرُ الدَّمع مُنْصَبّا
فلِلَّه هاتيك الرُّبى وربُوعها فإنّيَ قد ضَيَّعْتُ في تُربها القَلْبا
إنها وَمَضاتُ فِلَذٍ نابضةٌ من هذا الكتابِ/الذاكرة أَطلَعَهُ الرئيس الدكتور غالب غانم من أَدَب بسكنتا ليَنْثُرَهُ على أَدبِ لبنان باقاتِ إكرامٍ يقدِّمها لأَبناءِ لبنان مُقيمين ومنْتَشرين، كما يقدِّمُ كتابَه هديةً لكلّ مَن يَوَدُّ اكتشافَ كيف تَكُون البُنُوَّةُ مَرّتَين: أُولَى للأُمّ الوالدة، والأُخرى للأَرض التّالدة.
ويا نعيمَ من يَعرِفُ كيفَ يَعيشُ في نِعمَة البُنُوَّتَيْن.