الحلقة 1061: متى يعود الإنسان إلى الإنسان؟
الأربعاء 22 آب 2012
أعلنَت موتَهُ وكالاتُ الأنباء نقلاً عن مصادر الخبر في الولايات المتحدة، ذكرَت أنّ سبب الوفاة مغصٌ مَعَويٌّ حادّ، وأشارت إلى أسىً وحزنٍ سبّبَهُما موتُه بهذه “الطريقة المأساوية”. واستعادَت وكالاتُ الأنباء مسيرتَه منذ شاهَدَه الجنود الأميركيون في محافظة الأنبار العراقية هزيلاً جريحاً فاعتنَوا به حتى شُفِيَ وعادت صحته إليه وبات ضيفَهم المدلل في معسكرهم. وحين انتهت ولايتهم شاؤوا اصطحابه معهم لكنّ القانون الأميركي يحرِّم ذلك. فوجد قائد المعسكر الحلّ البيروقراطيّ بتخريجةِ طبيبٍ نفسيٍّ أنّ اصطحابه ضروريٌّ لأنه ساعد في العلاج إذ الاهتمام به ساهم في تخفيف الإجهاد عند العسكريين. وهكذا سافر معهم إلى بلادهم وبقي سنواتٍ هانئاً سعيداً ضيفاً على مزرعة مُركِل في ولاية نبراسكا، حتى وافتْه المنية قبل أيام مُسبِّباً ذينك الحزن والأسى.
هذه هي قصة المرحوم “سْـمُوك” التي تناقلَتْها وكالاتُ الأنباء عن تقاريرَ صحافيةٍ أميركية.
وكي لا أُطيلَ التشويق: “سْـمُوك” هذا ليس رجلاً استحقّ كلّ هذا الاهتمام، ولا طفلاً، ولا عبقرياً خارقاً بل… حمار.
نعم… حمار! حمارٌ، واستأثر بكلّ هذا الاهتمام من الجنود وقائد المعسكر والتقارير الصحافية ووكالات الأنباء.
ومقابلَ كلّ هذا الاهتمام بحمار، حمارٍ واحد، نشهد اليوم آلاف المشرّدين من بيوتهم وقراهم ومدنهم وبلادهم، مُهمَلين في العراء، لاجئين في الخيَم، مُشرَّدين في بقاع الأرض بلا مأوى ولا طعام ولا دواء، مشاريعَ شهداء، مشاريعَ ضحايا، وجرحى لا يداويهم طبيب ولا تهرع إليهم نجدةٌ إنسانية.
حمارٌ واحدٌ تناقلَت موتَه وكالاتُ الأنباء، وآلافُ البشر يموتون في التَّشَرُّد والغربة، تحت القصف، بالانفجارات والاغتيالات الجماعية، ويُدفنون مجروفين كأكوام القُمامة تحت التراب، ولا من يَسأل، ولا من يُحصي، ولا من يَنْعَى في وكالات الأنباء.
فمتى يعود الإنسان إلى الإنسان؟
ومتى يلتفتُ الضمير الإنساني إلى الأخِ الإنسان المشرَّد الجريح اللاجئ المقهور المطعون في حياته وبيته ومصيره المرعب؟
ضحايا وجرحى وشهداء ولاجئون ومشرَّدون، لا من يَسأل، ولا من يَهرع، ولا من يُنقذ آخَ طفلٍ على صدر أمه، وحمارٌ واحدٌ يموت بالمغص فتنتَشر قصته في وكالات الأنباء ناقلة مشاعر الحزن والأسى.
وثمة بعدُ من يتمهّل في البحث عن حقوق الإنسان، وآلاف البشر المشرَّدين المقهورين يعامَلون معاملة الحيوانات النافقة في العزلة البعيدة، وفي نهايةٍ لا تقبَلُها حتى الحيوانات.
هناك: يُعطى ترخيصٌ استثنائي لنقل حمار واحد بالطائرة إلى حيث يبقى مع أحبابه الذين رعوه واهتموا به، وهنا وثَـمَّ: لا من يُعطي ترخيصاً لإنقاذ آلاف البشر من آلة القتل والسحْق والسحْل والدَّمار والتشريد والموت الجماعي والدفن الجماعي في قبر جماعي، والعالَـمُ يتفرَّج، والدول الكبرى تأخذ وقتها في التحليل والإيعاز بـ”ضبْط النفْس” واقتراح الــ”يجب” والــ”لا يجب”، والناس يسقطون، يَتشرَّدون، يموتون في عتمة النسيان فلا تنقل وكالات الأنباء عن موتهم ولا عن أَيّ حزن رافق موتَهم كما رافقَ الحزنُ موتَ حمار.
ويبقى بعدُ من يتشدَّق بالعمل تحت شعار المحافظة على… حقوق الإنسان.