حرف من كتاب- الحلقة 77
“تقي الدين الصلح: سيرة حياةٍ وكفاح”- المحامي عُمَر زين
الأحـد 12 آب 2012

في مجلّدَين ضخمَين كلُّ واحدٍ من 680 صفحة (أي 1360 صفحة) أرّخ الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب المحامي عُمَر زين للسياسي اللبناني الكبير تقي الدين الصلح، صحافياً وكاتباً ورجلَ دولةٍ ورئيسَ حكومة، في توثيقٍ دقيقٍ مفصَّلٍ مُضني البَحث لكنه مُـمتع القراءة. إنه كتاب “تقي الدين الصلح سيرةُ حياةٍ وكفاح”، عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، صدرَت طبعته الثانية سنة 2007 بعد نفاد الأُولى في وقت قياسيّ.
وعُمَر زين عاصر تقي الدين الصلح 20 سنة متتالية (1968 و1988) كان خلالها رفيقه في جلساته واجتماعاته ومراحل حياته السياسية والوطنية، وحتى “في المشيات المسائية على كورنيش المنارة بين الحمّام العسكري ومقهى الحاج داود”، وتسنّى له طيلة عقدين أن يتابع الصلح في مراحل صعبة من تاريخ لبنان الحديث، كان خلالها الصلح مرجعاً في أمور الدولة والشعب.
فصول الكتاب سائغةُ السياق، تُتابع سيرة الصلح مدرّساً فصحافياً فمؤسسَ “حركة الميثاق الوطني” فناشطاً في حركات المطالبة بالاستقلال فمندوبَ لبنان إلى جامعة الدُّوَل العربية فوزيراً فرئيسَ وزراء، وهو في جميعها الرجل الوطني الذي لا يؤمن إلا بلبنان الموحَّد ذي الجناحَين، حتى أنه، يوم تظاهر اللبنانيون على درج الـﭙـرلـمان سنة 1943 مطالبين بالإفراج عن معتقَلي قلعة راشيا هاتفين: “بدنا رياض بدنا رياض”، نهرهم تقي الدين الصلح صارخاً: “أَبداً: بدنا بشارة… بدنا رياض”.
الجزء الأول من الكتاب في 17 فصلاً يبدأ بولادة الصلح فطفولته، مروراً بمسيرته الوطنية مناضلاً فمسؤولاً سياسياً، وانتهاءً في الفصل السابع عشر باعتذارِه من الرئيس الياس سركيس عن تشكيل الحكومة في تموز 1980 خلَفاً للرئيس سليم الحص.
الجزء الآخَر من الكتاب في 12 فصلاً يبدأ من جهود الصلح داعيةً للتحرير والتوحيد منذ 1980، مروراً بمواقفه الصلبة خلال أصعب سنوات الحرب في لبنان، وكتاباته في السياسة والأدب والاجتماع ونصوصٍ له في راحلين (ابرهيم عبدالعال وميشال زكور وحبيب أبي شهلا وخليل مطران وفؤاد شهاب وبدوي الجبل وناديا تويني وسليم اللوزي) ومقدِّماته لبعض الكتب (يوسف سالم ومحمد جابر آل صفا وإﭬـلين تويني بسترس)، وانتهاءً بأيامه الأخيرة وغيابه في ﭘـاريس نهار 27 تشرين الثاني 1988.
يحفل الجزءان بمجموعة كبيرة من الصور لمراحل متعددة من سيرة تقي الدين الصلح ونضاله ولقاءاته مع زعماء ورؤساء ومسؤولين كبار لبنانيين وعرب، إلى مجموعة كثيرة أيضاً من الوثائق معظمُها بخطّ تقي الدين الصلح، وفي جميعها دوامغُ ثابتةٌ على مرحلة نابضة من تاريخ لبنان الحديث كان تقي الدين الصلح رائداً فيها وعَلَماً ومرجعاً لبنانياً يعاد إلى حكمته في ثبات.
في مقدِّمة الكتاب ذَكَر المؤلِّف عُمَر زين حادثةً جَرَت في منزله مع زوجته السيّدة عدلا يوم زارهم تقي الدين الصلح فوجَدَها توضِّب الحقائب استعداداً للسفر إلى ﭘـاريس مع أولادها يَأْساً من حالة الحرب القاسية التي كانت تحاصر لبنان. ولدى سؤاله إياها عن الدافع إلى السفر في تلك الفترة بالذات، أجابتْهُ السيّدة عدلا: “لبنان الذي نعرفُهُ لم يعُد له وُجُود”. فابتسم تقي الدين الصلح في أسى، وأجابها بِـحكْمته الصُّلحية المعهودة: “لا يا سِتّ عدلا. لا تَقْلَقي. طالما بقيَتْ في لبنان كنيسةٌ واحدةٌ يُقْرَعُ جَرَسُها، فسوف يبقى لبنان ولن يزول”.
تقي الدين الصلح على قلم عُمَر زين في هذا الكتاب المرجعيّ الرصين، صورةٌ أُخرى للبنانَ الحقيقيِّ الذي، رغم العواصف والزوابع، سوف يبقى لأنه حقيقةٌ تاريخية، ولن يهوي لأن قامتَه أعلى من طحالبِ المتطاولين على قِمَمِهِ الأرزيَّة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*