صمْتُ الذاكرة الناطق
السبت 21 تموز 2012
-752-
في تعريفِ منظّمة الأونسكو أهميةَ المواقع التراثية العالمية أنها “تؤثِّر على صورة الدولة واقتصادها المحلّيّ”، وأنها “مُلْكٌ لِـجميع شعوب العالم أنى يكن مكانها بين الدول”.
وبين عشرة معايير تعتمدها الأونسكو للإدراج على “لائحة التراث العالمي” أن يمثِّل الموقع “تُحفةً عبقريةً خلاّقة من صنع الإنسان” و”شهادةً فريدةً استثنائيةً لتقليد ثقافي حضاري”، وأن “يحتوي على ظاهرةٍ طبيعية مميّزة ذات جمال طبيعي استثنائي”.
لهذه المعايير وسواها أدرجَت الأونسكو على “لائحة التراث العالمي” خمسةَ مواقع لبنانية، أربعةً سنة 1984: عنجر، بعلبك، بيبلوس، صور، وخامساً سنة 1998: وادي قاديشا.
شرطُ الإبقاء على المواقع في اللائحة العالمية أن تحتضنها الدولة بعنايةٍ وصيانةٍ تنفعانها اقتصادياً وأثرياً، وإلاّ عمدَت الأونسكو إلى شطب المواقع من اللائحة، ما يسبّب ضرراً معنوياً واقتصادياً قاسياً للدولة المهْمِلة، كما جرى في سلطنة عُمان: شطْبُ محمية المها لتقلُّص حجمها بالإهمال، وفي ألمانيا: شطْب وادي إِلْب في دْرِسْدِن لبناء جسرٍ فوق النهر في حضن الوادي ما أثار غضب الإنتلّجنسيا الألمانية وفي طليعتها الكاتب غونتر غراس (نوبل الآداب 1999).
لذا يخشى المعنيُّون شطب المواقع فيدفعون الدولة إلى الحفاظ عليها لأنها الصمت الناطق للذاكرة التاريخية والحضارية في البلاد. من هنا هَلَعُ المسؤولين على كنوز المتحف المصري في القاهرة حين اندلعَت حوله الثورة من ميدان التحرير. ومن هنا خشية المعنيين أن تتمدَّدَ الثورات العربية في دولها فتطالَ كنوزَ التراث التاريخي والأثري والحضاري وتندثر في فوضى التغيُّرات الحاصلة في كل دولة.
من الدول العربية المحيطة أعود إلى لبنان، إلى مواقعنا الغالية الخمسة لأستطلع كم تحافظ الدولة فعلياً عليها، أو أقلَّه كم تحميها من أعمال التشويه أو التخريب. ولم ننسَ الحملة المذعورة التي قامت قبل سنتين حين بدأ يتشوَّه بيئياً وعمرانياً أَحدثُ مواقعنا تسجيلاً: وادي قاديشا الذي زحف الباطون على صخوره الدهرية، ومنظره الطبيعية الساحر الفريد.
لا يكفي أن نتغنى ببعلبك وصور وعنجر وبيبلوس ووادي قاديشا، وندعو إليها السيّاح والزوار. قبلذاك علينا أن نحفظها كي نسلّمها لأبنائنا وأبنائهم مُصانةً سليمةً.
المهم ألاّ ندمِّر ما وَرِثْنا من إرث حضاري طبيعي، فنحفظه بأن نحافظ على كنوزه لأجيالنا المقبلة: نحميها من الإهمال وعوامل البيئة وسوء الصيانة، لا كرمى لمنظرها الطبيعي وشكلها الفريد، بل لكي تبقى جذْباً سياحياً واقتصادياً وتاريخياً وأثرياً يُبقي لبنان لا على “لائحة التراث العالمي” وحسْب، بل على ذاكرة الدول الحضارية في العالم.