حرف من كتاب- الحلقة 68
“جبران… شواهدُ الناس والأمكنة”- هنري زغيب
الأحـد 27 أيار 2012

ما كنتُ لأفتحَ اليومَ كتاباً لي، لو لم يلفتْني الإقبالُ عليه، وكان في ظنّي أنه كتابٌ آخَر في سياقٍ مُستدامٍ عن جبران.
وأنا أَجمعُه فصولاً وأَقساماً، كنتُ أَتساءَلُ إن كان بعدُ مَن يُقْبل على كتابٍ عن جبران بَعْدَ مئات كتبٍ ودراساتٍ وأطروحاتٍ في معظم لغات العالم. فماذا عسايَ أضيف؟
غير أَنّ الكتاب أَضافَ جديداً وجدَ فيه القرّاءُ ملامحَ جديدةً من حياة جبران الرجل، ومعظمُ ما بلَغَهُم حتى اليوم قَدَّم لهم ملامحَ كثيرةً من أدب جبران الكاتب. ففي أدب السيرة يحبّ الناس أَن يتعرَّفوا إلى الرجل في الكاتب فتبْلُغَهُم كتاباته أوضح.
هذا ما نشرْتُهُ في الكتاب من ذكرياتٍ رواها لي مَن عرفوا جبران وزاروه أو زارهم: أندرو غريب الذي ترجم جبران العربي إلى الإنكليزية، فؤاد خوري الذي رافق جبران و”الرابطة القلمية”، المونسنيور منصور أسطفان الذي كان جبران يستشيره عند وضعه “يسوع ابن الانسان”، الأرشمندريت أنطونيوس بشير صديق جبران ومترجِمُهُ إلى العربية (تعمَّدتُ في الكتاب أَن أُعيدَ نشر مقدمة الأرشمندريت لترجمته العربية كتابَ “النبي” وهي لا تظهر في ما يصدر من طبعات “النبي”)، سُميّة وبطرس جبران وكان جبران إشبينَ عرسهما، باربره يونغ رفيقة جبران آخر سبع سنوات من حياته وزيارتها بشرّي (كما غطّتها جريدة “السياسة” وأَعدْتُ نشْرها كاملةً في الكتاب)، أمين الغريّب وهو نشَرَ لجبران مقالاته الأولى وكتبه العربية الأولى، إيليا أبو ماضي وجبران وضع له مقدِّمةَ ديوانه (أَعدتُ نشْرها كاملةً لأنها غير معروفة في كتابات جبران)، تفاصيل جديدة من حياة ماري هاسكل روتها لي حفيدة أخيها عن علاقة ماري السرية بكتابات جبران بعد زواجها وانتقالها إلى ساﭬـانا، خطبة الـﭙـروفسور جيمس فرنكل الطويلة ليلة الميلاد سنة 1924 عن جبران وكتاب “النبي” بعد أَقلَّ من سنةٍ على صدوره.
من “شواهد الناس” ينتقلُ الكتابُ إلى “شواهد الأمكنة”: في نيويورك حيث لاحقْتُ مطارحه بالقلم والكاميرا، في بشرّي حيث بيعت أَرزاقُه بالمزاد العلني فما عاد له فيها شبْر أرض، في واشنطن حيث حديقة جبران وتفاصيل إنشائها منذ قرار الكونغرس إلى يوم وقف الرئيس الأميركي جورج بوش الأب يشيد بـ”هذا العبقري من وطن الأرز”، في فيلادلفيا حيث شاهدتُ عرضاً موسيقياً كوريغرافياً لفصول كتاب “النبي”، في ميريلند حيث المؤتمر الأول للدراسات الجبرانية سنة 1999، في بيروت حيث لم تجد الحكومة اللبنانية أَفضل من أَن تمنحَ جبران سنة 1930 مِدَالية الاستحقاق اللبناني من الدرجة الثانية قبل وفاته بستة أشهر، وأخيراً في مرجحين الهرمل حيث كان جبران يُـمضي أَيام الصيف قبل أن تسافر به أمه إلى أميركا في حزيران 1895.
في القسم الثالث حول “جبران الخالد في الزمان”: فصولٌ عن جبران العاشق، جبران الدائم الحنين إلى لبنان، حقيقة عبارة “لا تقل ماذا فعلَتْ لي بلادي بل قُلْ ماذا فعلتُ أنا لبلادي”، وهي راجت على أنها للرئيس الأميركي جون كينيدي، فبيَّنتُ أنها لجبران ونشرتُ مرجعَها ومصدرَها.
مرةً أخرى: لم أَكُن لأفتحَ اليوم كتاباً لي لو لم يلفتْني فعلاً هذا الإقبالُ على كتاب”جبران: شواهد الناس والأمكنة” أَصدَرَتْهُ “منشورات درغام” في طبعة أنيقة من 280 صفحةً قطعاً كبيراً، حاملاً إلى جديد نصوصِهِ صُوَراً جديدةً ووثائقَ جديدةً ومعلوماتٍ جديدةً عن هذا الذي غادرَ لبنان ذات يوم، لكنَّما لم يغادِرْهُ لبنانُ أيَّ يوم، حتى باح له بِـحُبِّه من قمّة مَـجْده النيويوركي: “لو لم يكُنْ لبنانُ وطني لاتَّـخَذْتُ لبنانَ وطني”.
وبذلك يبقى جبران خالداً أَبداً في شواهد الناس والأمكنة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*