حرف من كتاب- الحلقة 67
“صيدا… ستة آلاف عام”- هلال حَبْلي
الأحـد 20 أيار 2012

كيف يمكنُ اختزالُ ستة آلاف عامٍ بين دفّتَين، في كتابٍ تَغْلُبُ صُوَرُه على النصوص؟
هِلال حَبْلي قام بهذه المغامرة في كتابه “صيدا… ستة آلاف عام”، صدر سنة 2011 قطْعاً كبيراً من 136 صفحةً كاملةَ الألوان، زاهيةَ الإخراج، تتآخى فيها مناظرُ ومشاهدُ ووجوهٌ لصيدا العراقة والتاريخ، صيدون المجد العالي التي شكَّلت مع أُخْتِها صُوْر ما قاله المؤرخ الفرنسي ﭘـول موران: “جاء زمنٌ كانت فيه صيدا وصور كُلَّ تاريخ العالم”.
من شارع الرئيس الشهيد رفيق الحريري افتتح هلال حَبْلي كتابَ الصُّوَر عن صيدا، ليُكْمِلَ مشوار الجمال والحياة في مدينته التي تنضح بالجمال والحياة، فنعاينَ في شوارع المدينة القديمة مآذنَ وقُبَباً وبيوتاً من عافية أيام زمان، ثم يحط بنا عند القلعة البحرية في صُوَرٍ أَخَّاذة تشهَق كلُّ واحدةٍ بينها “أنا أحلى”: بعضُها مأْخوذٌ ليلاً بزوغة الأنوار، وبعضُها الآخَر في وهج الشمس بروعة الحجر. ونرافق في النزهات البحرية على الكورنيش متنزّهين شباناً وصباياً وأولاداً وعائلاتٍ وبيّاعين وشاطئاً ومنارةً هاديةً ومراكبَ وشِباكَ صيّادين ورمالَ بحر دافئةً بهمس الأقدام الحافية عند فقش الموج.
ثم وِقفةٌ عند صيد السمك الصيداوي وبيعِه في سوق السمك، إحدى أقدم المهن والحِرَف في عاصمة الجنوب، يعج بها ميناءُ الصيّادين والمرفأُ نافذةُ صيدا على الأزرق المتوسط، في صوَرٍ هي الأُخرى مشعشِعَةٌ ليلاً ووهاجةٌ نهاراً تفوح منها رائحة البحر، بحرِ صيدا العيد قبالةَ خان الإفرنج: أَراجيحَ وزوغةَ أَولادٍ ومأكولاتٍ شعبيةً وزهوةَ فرحٍ ومرحٍ وبهجةَ وجوهٍ تغنّي العيد بعيون مشْرقة.
ثم… ها نحن في “خان الإفرنج”: أَحد أَهمّ الخانات والمواقع الأثرية في لبنان، صاحبِ التاريخ المجيد في تنشيط الحركة التجارية والسياحية بين صيدا وبلدان حوض المتوسط، وخصوصاً على عهد فخرالدين الثاني، وهو اليوم من أَهم المغاني السياحية والثقافية والمهرجانية رمَّـمَتْهُ على أَعلى مستوى تقني وفني مؤسسة الحريري للتنمية المستدامة.
ننتقل إلى حارات صيدا، قديمِها والمجدَّدِ والجديد، تتعانق في ممرات وأَزقّةٍ ضيّقة وقناطرَ وعُقود، تعطي المدينة طابعاً فريداً ذا ميزة لا تتكرَّر: هنا دكاكين، هنا بيوت، هنا درجٌ إلى علّيّة، هنا مدخل كنيسة، هنا زقاق إلى سوق، ونكمل إلى سوق البزركان وسوق النجّارين وباب السراي وشارع الحمّام الجديد وسوق الجوهرجية وسوق القباقيب وسوق الكندرجية ومتحف الصابون في بيت عودة ومتحف قصر دبانه وفرن الساحة وحيّ الكشك وقشّاش الكراسي وحلاّق المدينة.
بعدها إلى الحمامات الشعبية: حمام الورد، حمام الشيخ، حمام السبع بنات، فإلى القلعة البرية على التل الجنوبي، فإلى أسواق صيدا وشوارعها النابضة بالحياة ليلَ نهار، وصولاً إلى أعراس جَـماعيّة تزيد الحياةَ الحلوةَ وعداً بحياةٍ حلوةٍ آتية.
والآن هيا بنا إلى دُور العبادة جوامع وكنائس ومعابد، خُشَّعاً إلى مسجدِ الشهداء، فكنيسةِ مار الياس للموارنة، فالجامعِ العُمَريّ الكبير، فمسجدِ باب السراي، فكنيسةِ مار نقولا للروم الكاثوليك، فمسجدِ بهاء الدين الحريري، فكنيسةِ مار نيقولاوس للروم الأرثوذكس، فمسجدِ الروضة. ولا نغادر صوَر الكتاب إلاّ بعدما يُطِلُّ رمضان على صيدا ببهجة العيد واحتفالاته صُوَراً تنقل زينة المدينة ناساً وأَنشطةً ودراويشَ وسهراتٍ رمضانيةً وَتَـهَيُّؤاً للعيد الكبير.
صُوَرٌ… صُوَرٌ… تَتَتَالى في هذا الكتاب الجميلِ ناقلةً إلينا نكهةً من عراقة صيدا، وأَرَجاً من حاضرها الملوَّن بالحياة، وعبيراً من غدِ هذه المدينة التي كانت يوماً عنواناً فينيقيّاً مضيئاً بالمجد والتاريخ، وستبقى عنواناً لبنانياً مضيئاً بالحضارة والجمال، على خصر هذا الأزرق المتوسط.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*