1049: رزق الله

الحلقة 1049: رزق الله
الأربعاء 23 أيار 2012

رزق الله على وقتٍ كان فيه شاويشٌ في الضيعة أو شرطيٌّ في البلدية يَضبُطُ الأمنَ فيها فَيَهَابُهُ الجميع ولا يناقش أَحدٌ إِجراءاتِه.
رزق الله على وقتٍ كان فيه بوليس السير على الطريق يُرهِب السائقين فلا يَـجْرُؤُون على مُـخالفة السير سُرعةً أَو زيادةَ ركّاب.
رزق الله على وقتٍ كان فيه مُـجَرَّدُ اسم “الفرقة 16” ضابطاً سيرَ الأمان ومسارَ الأمن ومسيرةَ الطمأنينة في صفوف المواطنين.
رزق الله على وقتٍ كان فيه المخفر مَلاذاً ومَلْجَأً وحمايةً للمواطنين فلا يُـجادلُ أحدٌ في قرارات تحركاتِه.
اليوم لم يعُد الشاويش ذا مهابة، ولا شرطيُّ البلدية ذا حزم، بل باتا صورةً نوستالـجِيَّةً من الماضي أو شخصيةً طريفةً في روايةٍ مسرحية.
واليوم لم يعد بوليس السير ضابطَ السير أو منَظِّمَهُ بل باحثاً عن حمايةٍ من شمسٍ أَو مطر، أو يدخِّنُ مشغولاً بِـمكابس هاتفه الخَلَوِيّ يكتب بها رسائلَ نصّيّةً قصيرة.
واليوم لم يعُد المخفَر ملاذاً وحمايةً وحارس الأمن إلاّ إذا تم الاتفاق بين السلطات السياسية المحلية على دخُوله أو تدخُّله أو إدخاله، ولا تتورَّع السلطة السياسية عن الإعلان جهاراً أَنّ دخوله تَـمّ بالاتفاق بين جميع الأطراف.
بالاتفاق؟؟؟ شو يعني؟؟؟؟ الأمن بالتراضي؟ الحسم بالرضى؟ الحزم بالاتفاق؟
كيف يمكن أن نبني دولةً بالتراضي؟ وهل عندما يكون التراضي موجوداً، تعود حاجةٌ إلى فرض الأمن؟
كيف يمكن أن يكون الحسْم بالرضى؟ وهل عندما يكون الرضى بين الجميع، تعود حاجةٌ إلى فرض الأمن؟
كيف يمكن أن يكون الحزم بالاتفاق؟ وهل عندما يكون الاتفاق سائداً، تعود حاجةٌ إلى فرض الأمن؟
هل مَهَمَّةُ رجال السلطة: الفصلُ بين المتنازعين؟ أَو التوسُّطُ لِـحلِّ خلافاتٍ عائليةٍ في بلدة أو منطقة؟
وهل دورُ رجل السلطة أن يكون حَكَماً في مباراة فوتبول؟
إذاً أين “أبو ملحم” أو “المختار” محمد شامل يدخل الضيعة ويتدخّل بين المتخاصمين ويُدخلهم إليه حتى يتباوسوا وتنتهي المشكلة؟
عند وُقوع أَيِّ حَدَثٍ أَو حادثٍ أو حادِثَة، يتهافَتُ السياسيُّون على وسائل الإعلام يُنَظِّرون مطالبين الدولةَ بإحقاق الحق وفرْض العدالة وتَـحمُّل المسؤولية، وحين تأتي الدولة إلى إحقاق الحق وفرْض العدالة وتَـحَمُّل المسؤولية، يُـحاصرها السياسيون بضرورة أَخْذ موافقتهم ورضاهم حتى تتمّ إعادةُ فرض الأمن.
لا يمكن أَن يكونَ المسؤولُ السياسيُّ فريقاً ويسأَلَ الدولة أن تكون حَكَماً. وحين يطالب الدولةَ بأن تتدخَّل، عليه أن يُطيع حزْم الدولة وعزْمَ النظام وحسْمَ الدستور على المساواة بين جميع المواطنين، فلا محسوبيات تُعفي مطلوبين، ولا زبائنيات تحمي مجرمين، ولا تغطيات تهرّب مذنبين، ولا إلجاءات تردع الدولة عن بلوغ الخارجين على سلطة الدولة.
السياسيُّون الذين يريدون فرْض هيبة الدولة، فَلْيَدَعُوا الدولة تقوم بفرْض هيبتها على الجميع بدءاً بالمسؤُولين السياسيين.
إن دولةً مَـمنوعٌ عليها دخولُ بؤْرة جغرافية، أو ملاحقةُ مطلوبٍ في مربّع أمني، أو اعتقالُ مُـجرم في أَيِّ بقعة على أرضها، سيظلُّ الأمن فيها بالتراضي، يعني قائماً ما دام الرضى قائماً.
والدولة التي تبني أمْنها على التراضي ستظلُّ دائماً تترجّى رضى مَن جعلوها مَكْسَر عصا.
وعندئذٍ لن يُـمْكنَها أن تستخدم هذه العصا ولا حتى لتوقيف وَلدٍ داشرٍ على قارعة الطريق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*