الحلقة 1048: لبنان في عتمة الانفتاح
الأربعاء 16 أيار 2012
بين آخر مقرَّرات مجلس الوزراء: الطلبُ إلى الوزارات التوَقُّفُ عن إرسال بعثاتٍ ووفودٍ إلى الخارج لفقدان الميزانية إلى ذلك.
قد يكون هذا القرار أتى في سياق التقشُّف وعصر النفقات وترشيد الإنفاق، إزاء غرق البلاد في أوقيانوس هائل من الهدر والفساد المالي وابتزاز خزينة الدولة على كل صعيد.
وكانت الحكومة قبلذاك طلعت بـ”موضة” “النأي بالنفس” عما يجري حولنا، كي لا تتَّخذَ الدولة موقفاً مِن، أو موقفاً مَع، أو موقفاً ضِدّ، فلا يحسب عليها أنها اصطفافية، بل أنها محايدة تنأى بنفسها عن الالتزام.
لن نناقش موضوع “النأي بالنفس” على الصعيد السياسي، فالكلام عليه بات مكرَّراً.
ولكن سياسة “النأي بالنفس” غيرَ السياسية: تَقَوْقُعٌ وانغلاقٌ واستحباسٌ في الداخل، وإقفالُ نوافذ الوطن عن الخارج.
كيف نضمن أن تكون الموافقة على سفر وفدٍ وزاريٍّ ما إلى حدثٍ ما غيرَ استنسابيةٍ وسْط ما نشهده من محسوبيات وأزلاميات واستنسابيات؟ ما هو المقياس؟ وما معيار الرفض أو الموافقة من دون تدخل نفوذٍ من هنا وفرضٍ من هناك؟ من هو الوازع العلمي الأكاديمي الذي يقول القولة الفصل من دون تدخُّل السياسيين غيرِ العلمي وغير الأكاديمي؟
وهل يجوز أن يغرق لبنان في عتمة الانفتاح على الأنشطة في الخارج، والعالم كلُّه زوغةُ أنشطةٍ وتبادُلُ وُفودٍ إلى معارض ثقافية وسياحية وصناعية وبيئية، ومؤتمرات علْمية ومالية واقتصادية وندوات دولية وعالمية تُبقي لبنان حاضراً على خارطة العالم؟
نفهم أنّ الهدر كان كبيراً في تشكيل الوفود بأعضاء أكثر مما تحتاجه المهمة المقصودة وبينهم من لا عمل له في النشاط المقصود، وذهابهم تنفيعةٌ من زعيم سياسي أو خدمةٌ خاصة لقضاء عملٍ لهم خاصّ لا علاقة بالنشاط الذي يذهب الوفد إليه.
ونفهم أن يتمّ ضبط هذا الهدر باقتصار الوفد على عدد مدروس من أعضاء ذوي علاقة مباشرة بالنشاط، فلا ترهق خزينة الدولة بمبالغ إضافية تزيد من مصاريفها ومديونيتها.
لكنّ رفض سفر وفدٍ إلى الخارج لمعرض ضروري أو مؤتمر دولي، هو انعزال عن الخارج مؤذٍ معنوياً وسياسياً، يوفِّر على خزينة الدولة مبالغَ مالية لكنه يكبِّدُها خسائر معنويةً أكبر بكثير من المادية، لأن غياب لبنان عن جناحٍ في معرضٍ أو منبرٍ في مؤتمر، يعزل لبنان عن العالم، بينما الاشتراك في معرضٍ عالمي أو مؤتمرٍ دولي يُبقي لبنان حاضراً في الذاكرة والإعلام والخارطة العالمية، فلا يكون لغيابه تفسير أنه يتخبط فعلاً في مشاكل داخلية خطيرة أَدَّت إلى عزله عن العالم.
يكفينا إنقاصُ ربطة الخبز رغيفاً، وشراءُ عقارات على الأرض عوض مَدِّ خطوط الكهرباء تحت الأرض، وتقصيرٌ في تثبيت الأساتذة ذوي الحق بذلك، وقرارُ استئجار بواخر لتوليد الكهرباء تزيد من أخطار التلوُّث البيئي، ووعدٌ بزيادة أجور العمال والموظفين ما زال حبراً على ورق، وسواها من قراراتِ وعدٍ وحجْب ومنعٍ وترخيص، جميعُها مظاهرُ وظواهرُ تبقى في المطبخ الداخلي للبلاد، لكنّ التقنين في سفر الوفود الرسمية إلى أنشطة في الخارج يعني الحَجْرَ على مرآة البلاد في مستودَعٍ مقفَلٍ على الغبار والنسيان.
ويا تعْس بلادٍ تنغلق على عزلتها عن الخارج، لأنّ مرآتها في الخارج تنغلق هي الأُخرى على الغبار والنسيان.
وهذا أَسوأُ ما يصيب بلاداً تستقيل من حضورها في محافل العالم.