الحلقة 1038: نعرف … ونعرف… ونعرف…
الأربعاء 7 آذار 2012
بعدما لَـحَـفَتْ جبالُ الثلج البيضاءُ جبالَنا وقرانا في الأسبوع الماضي،
وبعدما في الأُسبوع الماضي كذلك ذهب لبنان الرسمي إلى قبرص يبحث في مسألة النفط المشترك بيننا وبين جارتنا البحرية،
وبعدما نعلم كم انّ جبال الثلج المتراكمة عندنا ستذوب وتذهب مياهها هدْراً إلى البحر،
وبعدما نعلم كم انّ النفط العائد لنا في الأعماق المتوسطية ذاهبٌ هدراً في قعر البحر،
نتطلّع إلى الأرقام نستطلعها الحقائق، والأرقامُ لا عاطفةَ لها ولا اصطفاف، فتفيدنا الأرقام بالحقائق التالية:
يذهب من ذوبان ثلوجنا هدراً إلى البحر كل عام مليار و200 مليون متر مكعّب لا يستفيد منها لبنان أبداً.
في أدراج الدولة تصاميمُ ودراساتٌ لــ39 سَداً على مساحة الأراضي اللبنانية، تُـخَزِّن 870 مليون متر مكعّب من مياه الأمطار وذوب الثلوج، لو بيعت مياهها لأدخلت إلى الدولة 4 مليارات دولار سنوياً، ولأنتجت 600 ميغاوات من الكهرباء.
من هذه الأسداد الـ39 ليس عندنا سوى سَدّين (في القرعون وشبروح)، بينما تفيدنا الأرقام بِـما يلي: في سوريا 263 سَداً، في الأردن 20 سَداً، في قبرص 65 سَداً، كي لا نتشبّه بأبعد (كما في فرنسا التي فيها 4000 سَدّ).
هذا كي نتنبّه إلى أهمية الأسداد التي هي موردٌ هامٌّ جداً للدولة إذا وعَت ضرورتَـها ومنفعتَها وإيراداتها إلى خزينتها. فالصين التي فاق عدد سكانها المليار تعيش في جُزء من مواردها على إيرادات أسدادها، والصين لو أراد سكانها أن يصرفوا ما يصرف سكان الولايات المتحدة لَلَزِمها تسع مرات مساحة الكرة الأرضية كي تفي بمصروفها.
“إذا وَعَت الدولة ضرورة الأسداد”، قُلتُ؟ طبعاً. ومن آفاتنا في لبنان: قلةُ الوعي على التنمية المستدامة التي تتكلّف عليها الدولة مرةً واحدة وتروحُ تقطف ثمارها وعائداتها ومردودها فلا تحتاج بعدها إلا إلى بعض صيانةٍ تَـحمي استدامتَها.
الأمن الغذائيّ مظهر أساسٌ من ثقافةٍ على المسؤولين عندنا أن يتحلَّوا بها: تشريعيين وتنفيذيين، عوض التلهّي بالمشاحنات العقيمة، وتبادُل التُّهم والفضائح والتهديدات والـحَرَد، حتى يصبح التئامُ مَـجلس النواب حَدَثاً به يُتَغَنّى، والتئامُ مَـجلس الوزراء حَدَثاً كم يُتَمَنّى، واتفاقُ أهل الحكم على أمرٍ حدثاً له يُتَثَنّى.
نعرف أنّ الأسداد مشروعٌ لا تغيب عنه الدولة،
ونعرف أنّ كلّ حكومة جديدة تُدْرِجه “فولكلورياً” في بيانها الوزاري،
ونعرف أنْ لن ينقصَ الدولةَ البحثُ في مصادر تمويل هذه المشاريع الكبرى الحيوية،
ونعرف أنْ ستكون إيراداتُ هذه الأسداد كبيرةً تساعدُ في سدّ عجز الدولة وتخفّف من رزوحها تحت الدين العام وخدمة الدين العام الذي يدفعه المواطن المنكوب بالدين الخاص،
لكننا نعرف أيضاً أنّ هذا المواطن فقدَ إيمانه بإنشاءِ الدولة مشاريعَ حيويةً دون دهاليز سريةٍ في التنفيذ والتكليف والتلزيم، لأن المواطن يدركُ أن مشاريع من هذا الطراز لا تَـمُر بدون أن تكون وراءها صفقاتٌ للمحاسيب والأزلام ولِـمَن يحمي المحاسيب والأزلام.
وبين التلزيم والصفقات، يبقى المواطن منتظراً في الحلم المستحيل، ويبقى شاهداً على نفْطٍ من حقِّه ضائعٍ هدراً في أعماق المتوسط، وعلى مياهٍ من جباله ذاهبةٍ هدراً إلى أعماق البحر.