722: المتحف مساحةُ الطفولة

المتحف مساحةُ الطفولة
السبت 3 كانون الأول 2011
-722-

في السيرة الذاتية “ذكرياتي تَراني” للشاعر السويدي توماس تْرانْسْتْرومِر (نوبل الآداب 2011) جاء: “طوال سنوات طفولتي، منذ سنّ الخامسة، كنتُ مشدوداً إلى زيارة المتاحف: المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، متحف السكك الحديدية، وسواهما، وتركَتْ زياراتي إلى المتاحف أَثراً بالغاً رافقَني طويلاً بعدها”.
تذكّرتُ هذه الفقرة من تْرانْسْتْرومِر حين وصلَتْني بالإنترنت قبل أيام، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف/بيروت، دعوة إلى “ورشة عملٍ ليست كسواها” (اليوم السبت 3 الجاري) في متحف “لبنان قبل التاريخ” (شارع جامعة القديس يوسف- مونو) احتفالاً بِعيد البربارة. وفي الدعوة أن يأتي التلامذة “مُتَنكِّرين” بوجوه “ما قَبْل التاريخ” على أن “يتولى المتحف الملابس والماكياج”.
أهميّة هذه الزيارة أنها (كما في ذاكرة شاعر السويد) تبقى في ذاكرة الأولاد علامةً مغايرةً عما يعاينون في حياتهم اليومية، فتُوَسِّع مَعارفهم ومَداركهم وثقافتهم العامة اللاصفّيّة بما يقدّمه لهم المتحف في 33 لوحة كبيرة و22 واجهة زجاجية، وشروح في العربية والفرنسية، وفيلم وثائقيّ من 15 دقيقة عن “لبنان قبل التاريخ”.
هكذا يكون عيدُ البربارة مُختلفاً عن الاحتفاء به كُلّ عامٍ بتقاليده المعروفة (أقنعةً وأطعمةً وجولاتٍ على البيوت ومظاهرَ فولكلورية)، وتتّخذ زيارة المتحف بُعداً ثقافياً تربوياً مفيداً يَرْسَخ في معلوماتهم أَكثرَ فائدةً من عادات البربارة التقليدية.
بذلك يكون الأولاد دخلوا عالم التاريخ برَفاه اللعب التربويّ والتثقيفيّ، فيَلْهُون ويتَعلَّمون، ويبتَهجُون ويتَثقَّفون، وحين ينتهي النهار تبقى طويلاً في ذاكرتهم مشاهدُ من العيد.
وبذلك لا يعود المتحفُ مكاناً لِمعروضاتٍ جامدة حجريَّة أو عظميَّة أو معدنيَّة أو قماشيَّة، بل يتحوّل مكاناًَ للحياة النابضة بزوّاره والتلامذة والطلاب، يقرأُون ماضينا لا على صفحات كتاب التاريخ بل أمام التاريخ نفسه، ولا بِحفْظ أُمثولةٍ للامتحان بل بِحفظ ذكرياتٍ تبقبى طويلاً في البال.
أَعرف أنّ في عواصم وبلدان عالَمية أولاداً يُلِحُّون على أَهلهم باصطحابهم إلى المتحف، فيأخذونهم ويقفون في صفوف طويلة لبلوغ دورهم في الدّخول. وأعرف عن أولئك الأولاد معرفتَهم بأَسماء المعروضات في المتحف، ويَحملون معهم من “بوتيك” المتحف مُنمْنماتٍ عن القطع الأصلية أَحبّوها ويعرفون أَسماءَها، فيصبحُ المتحف فسحةً منيرة لهم لا مكاناً رمادياً جامداً.
هذه الفسحة لأولادنا، مع حوافز تُغريهم بالمجيء إليها، نَحتاجها كي يَطَّلعوا فيها على مراحلَ من تاريخ وطنهم الواقف مُشِعّاً عند فجر التاريخ.
متاحفُ لبنان فَلْتَنْفَتِحْ لأَولاد لبنان مساحةً لطفولتهم، ولْتَتَهيَّأْ لَهم أجواء تُحَوِّلُ المتحف الجامدَ واحةً للثقافة والحياة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*