… أَبعِدُوهم عن هذا الانشطار
السبت 19 تشرين الثاني 2011
-720-
لم يكد ينقضي الأُسبوع الماضي على مشهد لبناني رائع يرسم حماسة ملايين اللبنانيين، مَحليّاً وانتشاريّاً، متّحدين على التصويت لِمغارة جعيتا، واضعينها على الخارطة السياحية العالَمية، حتى طالعَنا هذا الأُسبوع مشهدٌ لبنانيٌّ رائعٌ آخرٌ يرسم في المدينة الرياضية حماسة 55 ألف لبنانيّ (حسب “النهار”) متّحدين على نصرة المنتخب اللبناني الذي فاز على فريق كوريا الجنوبية في كرة القدَم، مؤهّلين لبنان، أمام ملايين المشاهدين تلفزيونياً، لدخول نهائيات كأس العالم في البرازيل بعد سنتين.
وكان لافتاً حضور رئيس لبنان إلى جعيتا والمدينة الرياضية لإضفاء طابع الدولة الرسمي على حماسة اللبنانيين حين يتّحدون من جميع الطوائف والمناطق والتيارات السياسية لنُصرة لبنان السياحة والرياضة، في مشهدٍ لو ينتقل هو نفسه إلى لبنان السياسي، لكان لبنان أقوى بلدان المنطقة في حماسة أبنائه على وحدته وتماسُكه، والنظرة الواحدة إلى الدولة الأُمّ ولو اختلفت النظرة إلى هذه الدولة. فليس في العالم دولةٌ يُجمِع أبناؤُها عليها إلا بِمقدار ما يكون الولاء للوطن قبل الولاء للساسة الذين يديرون الدولة.
الحاصل عندنا، مع الأَسف واللوعة والحزن والغضب، أن الساسة يُمعِنون في تفريق معظم اللبنانيين وتقسيمهم وتجزئتهم إلى مَحاسيب قطعانيين وأنصار عشائريين وأزلام قبليين، مطأطِئِي الرؤوس، مسلوبي القرار، تابعي السياسيّ أياً كان وأيان اصطفّ وأنى تَحالَف، حتى إذا حاد عن خطّه وبدّل تَحالفه وغيّر اصطفافه، استدار أتباعه يُصالِحون مَن كانوا خاصموهم، ويُعادون من كانوا حالفوهم، وينعطف القطيع خانعاً طائعاً وراء قائده ولو قاده إلى مسلخ الوطن.
حتى الطلاّب الجامعيون شطروهم إلى فئات وتحالفات واصطفافات، فإذا صدرت نتائج انتخاباتهم الطلاّبية خرج الإعلام شاهراً “اكتساح” هذه الفئة انتخابات هذه الجامعة، و”سحْق” تلك الفئة فئةً أخرى في تلك الجامعة. ويتخاصم الطلاب ويتصادمون ويصطفّون وقد يتشابكون لأنهم مع قائد (!) أو زعيم (!) يتابعونه يمتطي الإعلام بتصاريحه التقسيميّة وبياناته الفئويّة ونبراته التحريضيّة ومواقفه العدائيّة التي تنسحب تلقائيّاً على أزلامه وأنصاره اقتتالاً يودي بهم إلى الصدام.
تسيَّس معظم اللبنانيين في فئتين شبه وحيدتين: مَن ليس في هذه فهو ضدّها، ومَن هو في تلك فهو خصم هذه، وينزلق الوطن إلى موزاييك سياسي خطير ينشطر فيه أَبناؤه فلا يتّحدون إلاّ على نُصرةٍ سياحية أو رياضية.
أيها السياسيون: أبناؤُنا المتّحدون على السياحة والرياضة، أَبعِدوهم عن انقساماتكم قبل أن يستيقظوا فيوقِعُوكم عن أكتافهم التي لولاها لا وجودَ لكم متربّعين على كراسيكم.