1024: مَخارِج لِخُروج الحاكم قبل إخراجه

الحلقة 1024: مَخارِج لِخُروج الحاكم قبل إخراجه
الأربعاء 30 تشرين الثاني 2011

صاعقةً كانت رياحُ التغيير التي انْهالتْ على بعض الأنظمة العربية، فاقتَلعَت كراسي كانت لعقودٍ غارزةً بِمن عليها في عِظام أكتافِ الشَّعب، مرفوعةً على هذه الأكتاف، معروفةً بِجميع أنواع كَمّ الأفواه حتى فلا تَملك تلك الأكتاف أن تصرخ من وجَعها أو تعَبها أو رفْضِها حَمْلَ مَن على تلك الكراسي.
وهَبَّت الريح… صاعقةً هَبّت الريح.
نفخَت أوّلاً في تونس من جسد محمد البوعزيزي وهو يحترق، فخال زين العابدين بن علي أنه يستدرك. وَعَدَ بإصلاحات وانتخاباتٍ فلم يصدِّقْه الشَّعب، وظلَّ يُصِرُّ حتى هرَبَ ديكتاتوراً أَحرقَ أعصابَ شَعبِه ولم يَحتملْ جسدَ مواطنٍ واحدٍ يَحترق.
وهبَّت الريح على مصر. حاول حسني مبارك أن يتداركَ ببَعض وعود. هو أيضاً لَم يصدِّقوه، فرضَخَ لإرادة الشَّعب وانسحبَ إلى الداخل غيرَ هاربٍ، آملاً بإنصافه في مُحاكمةٍ ينقاد إليها مُسجّىً على سرير المرض.
وهبَّت الريح على معمَّر القذافي الكان يتباهى بأنه صاحبُ أطول حُكم في العالم، فإذا بنهايته أقصرُ مقتلٍ يلقاه حاكم في العالم، وانتهى بأبشع مشهد للقتل والتشنيع كما كان يبدأ دائماً بالقتل والتشنيع في شعبٍ ظلَّ أربعة عقود يَطحَنُه بالقهر.
وهبَّت الريح على اليمَن فجمَع علي عبدلله صالح جميع النماذج أعلاه، مُراوغاً مُناوراً، خارجاً إلى حين، عائداً إلى حين، راضخاً مرةً، متَراجعاً أخرى، مُعانداً يوماً، مُصالِحاً يوماً، حتى انتهى إلى تنازُل ستراتيجيّ لا يزال ضمن المنطقة الرمادية.
أربعُ نهاياتٍ لأربعة حكام ظلُّوا متعسِّفين كما في بدايات حُكْمهم وتَحَكُّمهم وإِحكامهم على أعناق الشَّعب، غير معتبرين انتفاضةَ الشَّعب، مطمئنّين لأزلامهم منتشرين في صفوف الشَّعب، إلى أن هبَّت الريح من صفوف الشَّعب، صاعقةً هبَّت الريح فاقتلعَتْهم من حيث لم يَحسبوا لها حساباً، ولا للشعب حساباً، ولا للنهاية الشنيعة حساباً.
كل ما حَسِبُوا له، أنهم هُم الحسَاب والْمُحاسبون وليس من يُحاسبهم. إلى أن هبَّت الريح، فلم تترك لهم وقتاً ليراجعوا حساباتهم. حسِبوا أنهم هم الحساب الأول والأخير، فإذا الشَّعب هو الحساب الأخير.
لم يَحسبوا حساباً للشعب، وحين حاسَبَهم الشَّعب رماهم خارجَ كلِّ حساب.
هكذا كلُّ حاكم: يَعِدُ صادقاً قَبل أن يصل، حتى إذا وصل أَكمَل الوعودَ غيرَ صادق، مُناوراً مُستقْطِعاً له وقتاً، مُراوغاً في إغداقِ الطَّمْأَنَة والتزامِه بِمصالِحِ الشَّعب وصالِحِ الوطن، وعملِه في خدمة الشَّعب.
لكنَّ الشَّعب لم يَعُد يُصدِّق. فَلْيَفْهَم الحاكم في دولةٍ أو حكومةٍ، أنّ الشَّعب لم يعُدْ يصدق.
وليفهم كلُّ رئيس دولةٍ أو حكومة أن القرارلم يعُد له. القرارُ صار إلى الشَّعب، وباقٍ للشعب، وفي غضَب الشَّعب.
الكلمةُ لم تَعُد للحاكم. الكلمة عادت إلى الشَّعب، والشَّعب لا تُلْهيه مُناورة، ولا تُلْغيه مغامرة.
الطُّبول تُقْرَعُ من بعيد. وهي تَقْتَرب. تَقْتَرب.
وللحاكم مَخارجُ عِدَّةٌ لإنقاذ رأْسه قبل أن تقتَرِبَ الطُّبولُ أكثر، ويتحوَّلَ الضَّرْب من جِلْدِ الطُّبول إلى جِلْد الحاكم، كُلِّ حاكمٍ لم يَتَنَبَّهْ بَعْدُ إلى أنَّ الطُّبُولَ ليسَتْ تُقْرَعُ في قِلاعِه بل… لاقْتِلاعِه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*