الحلقة 1018: في حديث الصالونات
الأربعاء 19 تشرين الأول 2011
تكتمل في المطعم الحلقة، أو يكتمل شمل المدعوين إلى المأدبة في البيت، ويكون لا بُدّ من التداوُل في أحاديث.
ما الذي يدور، غالباً، في هذه الحلقات أو بين المدعوين؟
السيداتُ انشغالٌ في التنافُس على الإخبار عن انزعاجهنّ اللطيف من كثرة الدعوات، يومياً وأكثر من دعوة في اليوم الواحد، وتسابُقٌ إلى تعداد المطاعم التي زُرْنَها: هذا معروفٌ، ذاك غيرُ لائق، ذلك جديدٌ يجب اختبارُه. ويمضي الوقت معظمُه على حديث المطاعم والدعوات وجديد الملابس والموديلات، حتى إذا تغيَّر الموضوعُ راح إلى حديث الريجيم الذي نَحَّفَ هذه، وجَمَّل تلك، وفوائدِ الرياضة في النادي، وجديدِ المعالجات الريجيمية لدى اختصاصيات الريجيم من أنواع مآكل وطرائق حِميةٍ ولائحة ممنوعات ولائحة مسموحات ومظاهر تنحيفات ومعايير الكيلوات: كم كيلو خسرَت هذه الْمَدام، وكم كيلو زادت قبل يومين في عشاء رسمي خرَقت فيه قوانين ريجيمها اليومي. ويعرّج الحديث أحياناً إلى الخادمات: ماذا فعلَت هذه الخادمة، وماذا قالت تلك، وكيف هربَت خادمة الجيران، وكيف تتعهَّد خادمةٌ أولادَ مَخدوميها حتى أن الأولاد يكبرون في عهدة الخادمة التي اعتادوا عليها أكثرَ من الوالدَين.
أما الرجال فانشغالٌ في أحاديثَ، بعضُها عن المطاعم، ومعظمُها في السياسة: اصطفافٌ مع هذا التيار، أو التزام بخطّ هذا السياسي أو ذاك، وتتوالى آراء متناقضة حول صوابية هذا الزعيم وأخطاء ذاك الرئيس وتصاريح ذلك المسؤول، ويدور التنظير عما يجب وما لا يجب. وقد يَسْبَطِرُّ بعض الحاضرين فيحلِّلُ النظام السياسي العالمي ويُخَطِّئ الأوباما في هذا التصرف، ويستنكر إقدام الساركوزي على ذاك التصريح. ولا يتورَّع البعض عن الإدلاء بمعلوماتٍ، يعتبرها “خاصةً جداً”، يرميها في الحاضرين على أنها واقعةٌ حتماً لأنه استقاها من مَصدر موثوق.
هوذا معظم الأحاديث بين الناس لدى معظم الحلقات في المطاعم، أو معظم الجلسات في المنازل، ونادراً ما عاينتُ، أو بَلَغَني، حديثٌ يتبادلونه عن كتابٍ صدَر حديثاً، أو مسرحيةٍ حضروها، أو فيلمٍ شاهدوه، أو أمسيةٍ موسيقيةٍ تابعوها، أو حدَثٍ أدبي أو فني عَلِمُوا به أو قَرأُوا عنه، أو عن شخصيةٍ أدبيةٍ أو عِلْميةٍ، مُعاصرةٍ أو سابقةٍ، يتداولون في نتاجها وتأثيره وَتَرَدُّداته.
طبعاً ليس الشاهدُ من هذا الكلام أن تتحوَّل السهرات أو الجلسات في المطاعم والبيوت حلقاتٍ أدبيةً أو فنيةً بَحتة، ولكنها في معظمها أحاديثُ صالونات، جانحةٌ إلى نوافلَ من الكلام، إن لم تكن على عُمْقٍ فكْري أو ثقافي، فعلى الأقل ألاّ تبقى على هامش حياةٍ يوميةٍ، مَحلّيةٍ أو عالَمية، فيها مواضيعُ للتداوُل أكثرُ بكثيرٍ من ريجيم الْمَدام وموديلات فساتينها وأخبار خادمتها وأسماء مطاعمها، وأعمقُ من حديث يتداوله المواطنون كلما اجتمعوا على كلام سياسي يبقى زَبَداً لا يلبث موجُهُ أن يَبلُغَ بساط الرمل المتحرّك، فيبتلعَ صداه حَصى الشاطئ، ويزولَ مع أصحابه ومتكلّميه بين أَغوار الحصى لا إلى رجوع.