قبل أن يدخلَ لبنان إلى “الأكاديميا الفرنسية” مع أمين معلوف، دخلَ إليها قبل أكثرَ من مئتي سنةٍ مع الأكاديميين الفرنسيين في نصوصٍ لهم عن لبنان تُشَرِّف الأدب الفرنسي، وتُشَرِّف فرنسا، وتُشَرِّف لبنان.
هذا ما كشفَهُ الباحث اللبناني والأستاذ الجامعيّ المحامي الدكتور هيام ملاط في كتابه “الأكاديميا الفرنسية ولبنان” (L’Académie Française et le Liban) الصادر في الفرنسية سنة 2001 عن منشورات “دار النهار” في 344 صفحة من الحجم الكبير، وعليه نال المؤلّف “جائزة الأكاديميا الفرنسية” سنة 2002 لـ”إسهامه في نَشْر اللغة الفرنسية وأَدَبِها”.
يضوّئ الكتابُ على العلاقة الثقافية العريقة، منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم، بين لبنان وكبار أعضاء الأكاديميا الفرنسية الذين كتبوا عن خصوصيةٍ وفرادةٍ عرفوهما عن لبنان، وعن عائلاتٍ روحيةٍ تعيش فيه تحت سماءٍ واحدة من الحياةِ الواحدة والنشاطِ والحيويةِ والإبداعِ الخلاَّق.
أَقدَمُ الشهادات ترقى إلى نصّ كتبه مونتسكيو سنة 1737 عن لقائه في روما العالِمَ اللبنانيّ الأُسقف يوسف سمعان السمعاني.
وتَمتدُّ النصوص عن لبنان إلى 47 شخصيةً أكاديميةً فرنسيةً مِمَّن ذَكَروا لبنان في كتاباتهم، أو مِمَّن زاروه، مثْل:
* لامرتين (زار مناطق من لبنان سنة 1832 والتقى الأمير بشير الشهابي والليدي إستر استنهوب، وفي لبنان توفِّيَت ابنته جوليا، وكتب عن كل ذلك في كتابه “رحلة إلى الشرق”)،
* وإرنست رينان (عاش في عمشيت عامَي 1860 و1861 وكتب فيه رائعته “مهمة في فينيقيا” وبدأ في غزير كتابة رائعته الثانية “حياة يسوع”)،
* والرحّالة ڤولناي (زار لبنان سنة 1784 وكتَب مقاطع رائعة عن لبنان وأهله)،
* وهنري بوردو (شارك في تدشين مستشفى أوتيل ديو مع الجنرال غورو سنة 1919)،
* وپيار بُنْوَى (أزاح الستارة عن تمثال الأب سارلوت في معهد عينطورة)،
* وموريس باريسّ (زار قبر هنريات رينان في عمشيت)،
* وجورج دوهاميل (ألقى مُحاضرة في المدرسة العليا للآداب في بيروت سنة 1947 وقدّمه إلى الحضور سعيد عقل)،… وسواهم مِمَّن لَم يزوروا لبنان لكنهم كتَبوا عنه ما يشرّف، بينهم:
* كليمنصو، وپيار لوتي،
* وفرنسوا مورياك (كتب مقدمة بعنوان “لبنان على مفترق العصور” لكتاب “تاريخ لبنان” الذي وضعه جاك نانتيه)،
* وپول موران (في كتابه “المتوسط بَحر المفاجآت” كتب عبارته الشهيرة: “جاءت مرحلةٌ من التاريخ كانت فيها صور وصيدا كلّ تاريخ العالم”)،
* وغبريال هانوتو (كتب سنة 1912 مقدمة كتاب “التقاليد الفرنسية في لبنان” لقنصل فرنسا في بيروت رينيه ريستِلْهوبير، جاءت فيها عبارتُه الشهيرة: “إن لم يكن لبنان أعلى جبلٍ في الجغرافيا فهو من أعلى قمم التاريخ”)، وأسماء كبيرة أخرى تَتَتَالى لكبار الفرنسيين من الأكاديميا الفرنسية يصوغهم هذا الكتاب الشيّق في سياقٍ علميٍّ مؤرَّخٍ، موثَّقٍ بتاريخ دخول العَلَم إلى الأكاديميا الفرنسية، ونبذةٍ عنه، ومقاطعَ عن لبنان يَجدُر باللبنانيين أن يعْرِفُوها بأقلام كبارٍ فرنسيين عرَفوا أهمية لبنان في التاريخ والإبداع.
كتاب الدكتور هيام ملاط “الأكاديميا الفرنسية ولبنان” مرجِعٌ قيّمٌ وضروريٌّ لكلّ من يَوَدُّ اكتشافَ صورةِ لبنان على قمم الحضارة والفكر والأدب، صاغها أعضاء في الأكاديميا الفرنسية التي يُكَرَّسُ أعضاؤها “خالدين”.
وليس أغلى من أن يَكتُب خالدون عن وطننا الخالد، بِما فيه، ومَن فيه من لبنانيّين خالدين سطَّروا في التاريخ أسماءَهم مُشِعَّةً على الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.