الحلقة 998: لكي تعود ديمقراطيةً حقيقية
لأربعاء أول حزيران 2011
عَقدان مَرّا عليه ولم يكتملْ تنفيذُه بعد.
اسمه تاريخياً وجغرافياً: “اتفاق الطائف”، واسمه قانوناً: “وثيقة الوفاق الوطني”.
من حسناته أنه، في وقته، أنْهى حرباً تَمَطَّت سنوات طويلة،
فجمع الأضداد والمتنافرين وصالَحَهم وباوَسهم وعانقهم
وعادوا من الطائف هاشّين باشّين مبشِّرين بانتهاء الحرب بعد سنوات الجمر اللبنانية.
غير أنه لم يُكمِل السنتين حتى راحت تصدر أصواتٌ من هنا، وأخرى من هناك، وغيرُها من هنالك،
مِمّن يتذمّرون لعدم “تطبيق اتفاق الطائف”،
أو “روح اتفاق الطائف”،
أو “منطوق اتفاق الطائف”.
راحت السَكرة وجاءت الفَكرة:
تَجمَّعت الصلاحيات على طاولة مجلس الوزراء مُجتمعاً،
وتقلَّصَت من رئيس الجمهورية الذي “يَحضر جلسات مجلس الوزراء حين يدعوه إليها رئيس الحكومة”،
ويمكن أن ينعقد المجلس ولا يحضر رئيس البلاد.
وازهَوهَرت منذئذٍ موضةُ “الترويكا”،
وبدأ الإعلام يكرُج في عبارة “الرؤساء الثلاثة”،
وبقي لرئيس الجمهورية حقُّ التوقيع الأخير،
وفي بعض الحالات إن لم يوقّع الرئيس يَمضي المرسوم أو القانون أو القرار إلى ساحة النجمة ويأخُذ طريقه إلى التنفيذ.
وهذا لا يُمكن أن يستمرّ، حتى باسم الديمقراطية التي نتشدّق أننا في نظامها.
لا يجوز باسم “الرئيس الوفاقي” أن يكون الرئيس مُجَرَّدَ حَكَمٍَ صالح في الموقف الصالح.
لم نسمع في العالم ببلدٍ في دولته “ثلاثةُ رؤساء”، ويستعمل الإعلام فيه عبارة “الرؤساء الثلاثة”.
… إلى أن كانت صرخة البطريرك من بكركي
أن في اتفاق الطائف ثغْراتٍ هي بعضُ مشكلة لبنان اليوم،
ولا بأْس في تعديله أو تطويره أو تصحيح ثغرات فيه
تُعيد إلى رئيس الجمهورية صلاحيات تُمَكِّنُه من الحُكْم
مثلما يَحكم أيُّ رئيسٍ في بلدٍ ديمقراطي،
من دون الوصول طبعاً الى “نظام رئاسي”
كم يَثْبُت خَلَلُه مِما يَجري حولنا
في بلدانٍ يتهاوى حُكّامُها المنفردون بنظامهم الرئاسي أو الملَكي أو التوتاليتاري أو التيوقراطي.
الصلاحيات في مجلس الوزراء مُجتمعاً؟
وماذا حين مجلس الوزراء معطَّل والحكومةُ لتصريف الأعمال؟
مَن يحكُم إذاً؟
مَن يقرِّر؟
مَن لديه الصلاحياتُ، والحكومةُ العتيدة لم يُحْبَل بِها بعد،
والبلدُ يتهاوى تحت ضرباتٍ أمنيةٍ مرةً، وسياسيةٍ مراتٍ، وعسى أن لا تطاله ضربات اقتصادية ومالية؟
لا يَجوز أن تكون صلاحياتُ مواقعَ أُخرى موسَّعةً ذاتَ قرار،
ولا تكونُ لرئيس البلاد صلاحياتٌ يتحرّك بِموجَبِها من ضمن القانون والدستور.
إنّ صرخة البطريرك هي صرخةُ كلّ لبنان الذي،
إن لم يَسْتَعِدْ رئيسُه صلاحياتٍ نافذة،
سيبقى علاجُهُ تَوافقياً،
فيما الديمقراطيةُ الحقيقيةُ
أن تتوزَّع الصلاحياتُ وفْق موقع صاحب القرار،
حتى يكون الحكْمُ ديمقراطياً فلا تغلُب فيه صلاحيةٌ على أخرى،
وتَعدِل الصلاحياتُ فعلاً
لصاحب القرار من موقعه،
ولمصلحة الشعب والدولة والوطن.
وهذه تكونُ، كما كانت دائماً، أمثولةَ لبنانَ الديمقراطي، نَموذجاً رائداً بين دول المنطقة.