الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامك إياها أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد أربعين جواباً من وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور ومي منسّى وهدى النعماني وغالب غانم ومحمد بعلبكي وهشام جارودي وألكسندر نجار وجورجيت جبارة وغازي قهوجي وسمير عطالله وإلهام كلاّب البساط وأنطوان مسرّة وفاديا كيوان وريمون جبارة وسلوى الخليل الأمين وندى عيد وهنري العويط ومنير أبو دبس وندى الحاج ونجوى نصر وهناء الصمدي نعمان ووردة زامل ونُهاد نوفل وكريستيان أُوسّي وفؤاد الترك وشوقي بزيع وأسعد مخول وإيلي مارون خليل ومفيد مسوح ومحمد علي شمس الدين، هنا الجواب الحادي والأربعون من الوزير السابق نائب نقيب الصحافة اللبنانية الأُستاذ جورج سكاف.
هنري زغيب
email@old.henrizoghaib.com
_______________________________________
___________________________________________
_______________________________________________
41) جورج سكاف: الحياة
الأربعاء 13 نيسان 2011
أَوّل تهنئة للإنسان عندما يولد أنه جاء الى الحياة.
وأَجملُ ما يحبو عليه وينمو معه:
استكشافُ الحياة من حوله
في عطف الأهل وحنانهم،
في رؤية جمال الألوان وتمايزها مع عذوبة الأصوات والأنغام،
وفي تذَوُّق طعم الأطعمة.
ينمو مع الحياة فتنمو فيه حيواتٌ تزيده كلّ يوم إحساساً ومتعة بوعي الوجود.
أجمل ما يكتشفه الإنسان عندما يفتح عينيه مستيقظاً عند الصباح:
أنه لا يزال حياً، فلا يبهجه أن يبدأ يومَ عملٍ جديداً بقدرما يشعر في أعماقه أنه يحيا من جديد.
الحياة صفة الطموح والإقدام.
إنها العافية والحب وركوب المغامرات.
وكلما نرى بلداً مزدهراً وشعباً راقياً ومؤسسة ناجحة وعملاً إبداعياً ساحراً، نقول إنه “مليء بالحياة”، أو “جدير بالحياة”.
أجمل ما سمعت عن أهمية الحياة في حياتنا الزمنية، كان ذات يومٍ في قرية “كفرسما”.
في جوار مقام “قديس لبنان”، شيّد المونسنيور منصور لبكي مدرجاً كبيراً بين الصخور، ازدهت جلاله بشجيرات الزيتون، وأقام المرسح على مطل الوادي العميق.
قبل أن يباشر حفلاته الموسيقية السماوية مع أطفال “كفرسما”، دعا إلى افتتاحه الفنان العالمي جان پيا (وسمّى المرسح على اسمه، وأنشد بصوته نصوص “كفرسما”) فألقى محاضرة هي نشيد أناشيد في تمجيد الحياة.
يومها لم يستطع ارتقاء المنبر إلا متكئاً على كتف صديقه الأب لبكي.
لكنه، عندما بدأ بإلقاء محاضرته، اشتدّ صوته المنبري الأخّاذ، فكان في أحلى ساعاته وأحسن حالاته.
قال بعنفوان شباب ربيعه الثمانيني:
“من أُعطي متعة الحياة فأيّ متعة قد حُرم.
كل خسارة، مهما عظمت، لا توازي لحظة فرح.
ومن يقعده المرض عن الحركة وتثقل كاهله السنون، يستعيد أجمل أيام شبابه باستعادة ذكريات جميلة، استذكار قصيدة الى حبيبة، قراءة كتاب يفتح أمامه صفحات حياة جديدة ولا أحلى”.
في “كفرسما” عايش هذا الفنان الكبير حياة فرح وانشراح لمن يَتَّمَتْهُم الحرب وشرَّدتْهم أهوالها.
راح يرنم معهم لِحياةٍ من حياة، ورجاءٍ من رجاء، بلا دموع ولا عذاب.
لَم يَشْكُ مرةً من تقدُّم السنّ، بل يرى أنّ كل ثانية في الحياة حياةٌ كاملةٌ مليئةٌ بكل ما توفِّره الحياة من هناءة.
كأنما شعاره،
وقد يكون شعار كل إنسان:
“عِش سعيداً طالما أعطِيَت لك نعمةُ الحياة”.
_________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة الثانية والأربعون: النائب الدكتور مروان فارس.